لا .. يا قروية

كمال كرار
على أيام الانقاذ البائدة،وما يسمى بالتأصيل الثقافي،تم تعيين ( المهاوييس) مدراء للتلفزيون والاذاعة، فكانت مهمتهم شطب واحراق كل الاغاني والبرامج والتسجيلات التي لا تتفق مع أيدولجيتهم العقيمة، وهذا ما حدث إلا القليل من تلك التسجيلات التي أخفاها مذيعون وفنيون من الجنسين.
نشيد القروية، بل هو أغنية جميلة الكلمات واللحن، واظنه من ألحان (بابا فزاري) كما يناديه الأطفال في برنامج جنة الأطفال .. كان مناظرة بين طفلات القرية والمدينة .. القرويات يردن الذهاب للخرطوم، والخرطوميات يسردن لهن مزايا الريف وأهميته.. ومن ضمن ماقيل فيه ردا على أمنيات القرويات وقولهن ( يا ربي متين أشوف الخرطوم ) ..(لا يا قروية .. ما تغرك المدنية والله انت غنية .. مين غيرك بمول وزارة المالية) ..
النشيد الأغنية نفسها كان يلخص برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي .. متكامل لو سارت عليه الانظمة السياسية لما وصلنا للحرب وهذا الانقسام الاجتماعي والتنمية غير المتوازنة وما يقال عن دولة ٥٦ وخلافه من ورجغات .
والارقام تقول .. في السودان ٢٠٠ مليون فدان صالحة للزراعة .. أقسم على ٥٠ مليون مواطن فنصيب كل زول ٤ فدان .. ومع ذلك فالجوع والفقر موجودان .
ويوجد ١٥٠ مليون راس من الماشية، ومعناها ٣ غنمايات أو ٣ بقرات .. و٣ نعجات .. أو ٣ جمال لكل مواطن .. ومعطم الناس لا يستطيعون الحصول على اللبن ولا اللحمة ..
وتجري في بلادنا أنهار وتهطل أمطار والاحصائيات تقول أنها فوق ال ١٠٠ مليار متر مكعب ومعظم الناس عطشانة،والزراعة تموت بسبب العطش .
ولن نستغرب من هذه الحقائق العجيبة، لأن النظم السياسية جميعها سارت بالحكمة الاستعمارية البغيضة ( جوّع كلبك يتبعك ) .. ولهذا استمر التجويع والافقار لاخضاع الشعب ..
ولهذا الهدف دمروا الزراعة والمشاريع الزراعية،وعلى رأسها مشروع الجزيرة، وشنوا الحرب على المزارعين بقانون ٢٠٠٥، ونهبوا اصول المشروع، وحطموا الترع والكنارات،وامتنعوا عن تمويل الزراعة،وأخيرا وليس آخرا نقلوا الحرب للجزيرة، وقتلوا أهلها، وشردوهم وسرقوهم .
الخونة والعملاء يعرفون أن الزراعة إن نهضت، فالسودان ينهض، ويستقل بقراره، ويتوفر العيش الكريم للشعب.
ولما تنهض الزراعة تنهض الصناعة، وتدور المصانع، وتتوفر الوظائف للجميع، ويتحقق الاكتفاء الذاتي، وتزداد الصادرات .
ونهوض الزراعة يوفر المال المطلوب لتوسيع التعليم والصحة وتوفير الماء والكهرباء …
الزراعة اذن اساس الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والدولة المدنية المنشودة قاعدتها الصلبة الزراعة والصناعة التحويلية ..
شجيرة القطن الهزيلة .. تصنع الملابس والمنسوجات وتفتح المحالج ومصانع النسيج .. ومن البذرة يصنع الزيت والصابون والجلسرين وعلف الحيوانات، ومن ساق القطن يصنع الورق .. أنظر للفوائد العديدة .. مقابل أوقية الذهب التي يحفر الصخر من أجلها آلاف العمال، ويموت بسببها الآلاف عن طريق التسمم بالزئبق والسينايد .. ثم ترسل للخارج .. ويقبض ثمنها شخص واحد .. وهذا الثمن نفسه محفوظ في بنك بالخارج .. هذه الأوقية اللعينة لا توفر طرقة كسرة لانسان جائع ..
وللحديث بقية.. يا سدنة الصندوق والبنك الدولي
وأي كوز مالو ؟