#image_title
بقلم : معاوية أبوالريش
ماضي الذكريات
كلمات : الجيلي محمد صالح
أداء : عثمان مصطفى
رحت في حالك نسيتني
و إعتبرت الماضي فات
لما إنت خلاص جفيتني
ليه بتحكي الذكريات؟
لما تحكي ذكرياتنا
كنت تحكيها بأمانة
كيف بدت و كيف إنتهت
و إتبددت قبال أوانها
و كيف أمانينا الجميلة
حلت الآهات مكانها
كفاية أشوفك في خيالي
و أستعيد أحلى الليالي
و أبكي أيامي الخوالي
و كل ماضي الذكريات
ذكرياتنا مهما كانت
برضو ترديدها بيألم
ليه تردد ذكرياتنا
و يوم ألاقيك ما بتسلم
ليه بديت إنت الفراق
و إنت عارف كيف بندم
رميتني في نيران صدودك
تاني ما بصدق عهودك
أنا بحاول أنسى ريدك
و أنسى ماضي الذكريات
كنت دايماً بعذرك
و راضي بي حرمان شبابي
كنت راضي تدللك
براي بتحمل صعابي
إلا ما برضى التجاهل
بي شعوري و بي عذابي
تعال و بادلني الوداد
و لا قاسمني السهاد
إنت لو راضي البعاد
ليه بتحكي الذكريات؟
تُعدّ قصيدة “ماضي الذكريات” للشاعر السوداني الجيلي محمد صالح والتي أدّاها الفنان عثمان مصطفى نموذجاً بارزاً للشعر الغنائي السوداني الذي يمزج بين عذوبة اللغة وعمق الإحساس. تتجلى في هذه القصيدة قدرة الشاعر على نسج صور شعرية متفردة تُحاكي تجربة إنسانية عميقة، ألا وهي معاناة الفراق وألم الذكريات التي تبقى شاهدة على حب انتهى.
” البناء الفني والموسيقي للقصيدة”
“الإيقاع والموسيقى الشعرية”
تتميز قصيدة “ماضي الذكريات” بوحدة وزنية متناسقة تنتمي إلى بحر المتدارك المجزوء، وهو من البحور الخفيفة التي تتلاءم مع البوح العاطفي والحزن الرقيق. يظهر التقسيم المقطعي للقصيدة (مقاطع رباعية وسداسية) تنوعاً إيقاعياً يعكس تموجات المشاعر في نفس الشاعر بين الحسرة والعتاب واللوم.
تظهر القافية المتغيرة في نهايات المقاطع، مع الحفاظ على قافية “الذكريات” التي تتكرر في نهاية كل مقطع، ما يمنح القصيدة دائرية موسيقية تؤكد على المحور الرئيسي للقصيدة وهو معضلة الذكريات التي لا تفارق الشاعر.
” التكرار كعنصر موسيقي وتأكيدي”
يوظف الشاعر التكرار بمهارة فائقة، خاصة في تكرار عبارة “ليه بتحكي الذكريات؟” التي تأتي كلازمة في القصيدة، مما يضفي عليها طابعاً إيقاعياً مميزاً، ويؤكد على السؤال المحوري الذي يشغل ذهن الشاعر. كما يظهر في القصيدة تكرار آخر، مثل:
“أنسى… أنسى…”
“وكنت… وكنت…”
هذا التكرار لا يعزز الإيقاع الموسيقي فحسب، بل يجسد حالة التأزم النفسي والإلحاح الذي يعيشه الشاعر.
” الصور الشعرية والجماليات البلاغية”
“التشخيص والتجسيد”
يُضفي الشاعر على الذكريات والمشاعر صفات بشرية، فالذكريات تُحكى، والماضي يفوت، والآهات تحل مكان الأماني. من أبرز الصور التشخيصية:
“رميتني في نيران صدودك” صورة حسية تجسد الصدود في هيئة نار تحرق الشاعر، موظفاً التشبيه البليغ الذي يجعل من الصدود ناراً مستعرة تكوي قلب المحب.
“حلت الآهات مكانها ” تشخيص للآهات التي أصبحت تحتل المساحة التي كانت تشغلها الأماني، في مفارقة تصويرية بين الماضي السعيد والحاضر المؤلم.
” المقابلات والمفارقات”
تتجلى جمالية المقابلات في مواضع عدة: “كيف بدت وكيف انتهت” مقابلة بديعة بين البدايات المشرقة والنهايات الحزينة. ” أمانينا الجميلة… حلت الآهات مكانها” مقابلة بين الأماني السعيدة والآهات المؤلمة. “تعال وبادلني الوداد ولا قاسمني السهاد” مقابلة بين الحب المتبادل والألم المشترك.
” الاستفهام البلاغي ”
تكرار الاستفهام “ليه بتحكي الذكريات؟” يشكل محوراً دلالياً رئيسياً في القصيدة، وهو استفهام لا ينتظر جواباً بقدر ما يحمل معاني العتاب واللوم والاستنكار. كما تتكرر الاستفهامات الأخرى: “ليه تردد ذكرياتنا؟” ، ” ليه بديت إنت الفراق؟”
وكلها استفهامات تُعبر عن حيرة الشاعر وألمه واستنكاره لتناقض سلوك المحبوب.
” المعجم الشعري ودلالاته”
تتميز القصيدة بمعجم شعري ينتمي لحقل العذاب العاطفي، فنجد مفردات مثل: الجفاء، الفراق، الصدود، السهاد، البعاد، وهي مفردات تنتمي لمعجم الهجر والقطيعة.
الآهات، العذاب، البكاء، الندم : وهي مفردات تعكس الألم النفسي.
الخيال، الذكريات، الماضي، الأيام الخوالي : وهي مفردات تنتمي لمعجم الزمن الفائت.
هذا التوظيف للمعجم الشعري يجسد التوتر الدرامي الذي تعبر عنه القصيدة بين زمنين: زمن الوصال المنقضي وزمن الفراق الحاضر.
” البنية الدرامية للقصيدة”
تقوم القصيدة على مفارقة درامية أساسية: المحبوب الذي اختار الفراق والجفاء يستمر في الحديث عن الذكريات، مما يضاعف من معاناة الشاعر. هذه المفارقة تتطور عبر مقاطع القصيدة، المقطع الأول: يُقدم الفكرة الأساسية وهي استنكار استدعاء الذكريات مع اختيار القطيعة.
المقطع الثاني : يصور كيف كان المحبوب يحكي الذكريات، ويشير إلى تحول الأماني إلى آهات.
المقطع الثالث : يتطور إلى لوم صريح ورفض لاستدعاء الذكريات مع تجاهل المشاعر.
المقطع الرابع : يصل إلى ذروة المفارقة بتقديم خيارين للمحبوب: إما العودة للوداد أو المشاركة في العذاب، أو الكف عن استدعاء الذكريات.
” التناقض الوجداني في القصيدة”
تكشف القصيدة عن تناقض وجداني يعيشه الشاعر، فبينما يحاول نسيان المحبوب “أنا بحاول أنسى ريدك… وأنسى ماضي الذكريات” نجده يسترجع ذكرياته بألم وحنين “كفاية أشوفك في خيالي… وأستعيد أحلى الليالي… وأبكي أيامي الخوالي”
هذا التناقض يعكس حقيقة التجربة العاطفية المعقدة، حيث يجد المحب نفسه حائراً بين الرغبة في النسيان والحنين إلى اللحظات الجميلة.
تتجلى قيمة قصيدة “ماضي الذكريات” في قدرتها على تقديم تجربة إنسانية شديدة الخصوصية بلغة شعرية تتسم بالصدق والشفافية، مع الاستناد إلى فنيات شعرية عالية تجمع بين جمال الصورة وعذوبة الموسيقى وعمق الدلالة. استطاع الشاعر الجيلي محمد صالح أن يصوغ من معاناته الفردية حالة شعرية عامة يمكن أن يجد فيها كل من مر بتجربة الفراق صدى لمشاعره وأفكاره.
ولعل في تساؤل الشاعر المتكرر “ليه بتحكي الذكريات؟” خلاصة للمفارقة التي تنطوي عليها تجربة الحب والفراق ، فالذكريات التي كانت مصدر سعادة تتحول مع الفراق إلى مصدر للألم، والمحب الذي اختار الرحيل يظل مشدوداً إلى الماضي، في تناقض يعكس تعقيد النفس البشرية وتشابك المشاعر الإنسانية.
تبقى قصيدة “ماضي الذكريات” شاهداً على قدرة الشعر السوداني المعاصر على التعبير عن المعاناة الإنسانية بلغة تجمع بين الأصالة والتجديد، وبأسلوب يتسم بالرقة والعذوبة، مع عمق فلسفي يستبطن تناقضات التجربة الإنسانية ويكشف عن جوهرها الثري المعقد.
أفادت مصادر مطلعة بحصول رئيس كيان الشمال محمد سيدأحمد سرالختم الجكومي، رئيس مسار الشمال في…
في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الداخلية السوداني أول قراراته عقب توليه المنصب، والتي…