#image_title
بقلم : معاوية أبوالريش
في عالم الشعر السوداني المعاصر، تبرز قصائد تلامس شغاف القلوب وتعبر عن مكنونات النفس البشرية بصدق وعمق. من بين هذه الإبداعات تأتي قصيدة “غرام الروح” للشاعر السوداني مصطفى عبد الرحيم، التي حولها صوت الفنان الراحل العندليب الأسمر زيدان إبراهيم إلى نغمات عذبة تسكن الوجدان. هذه القصيدة ليست مجرد كلمات وألحان، بل هي رحلة في دهاليز العشق والألم، تعكس تجربة إنسانية ثرية من الحب والخذلان.
“الانكسار والتغير: صرخة قلب محطم”
تبدأ القصيدة بصرخة مؤلمة: “صحي إتغيرت أنت خلاص، نسيت العشرة”، وهي بداية صادمة تكشف عن تحول مفاجئ في موقف المحبوب. الشاعر هنا يواجه حقيقة مريرة – أن من كان “سيد الروح” و”رمز الإخلاص” قد تغير وتنكر للماضي المشترك. استخدام كلمة “صحي” (أي حقًا) يعكس دهشة الشاعر وعدم تصديقه لهذا التحول المفاجئ، كأن الأمر يتجاوز حدود المعقول والمتوقع.
عبارة “بقيت ظالم نسيت الناس جنبك” تحمل اتهامًا مباشرًا بالظلم والنكران، مما يضفي على القصيدة بُعدًا أخلاقيًا يتجاوز مجرد العتاب العاطفي. فالحبيب لم يخن العهد فحسب، بل تخلى أيضًا عن القيم الإنسانية الأساسية من وفاء وإخلاص.
“الماضي المشرق: ذكريات لا تُمحى”
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى استحضار الماضي المشرق “عمرى كان أملاً مفرهد يا غرام الروح، زهور بتملأ دنياى بالأمانى تفوح”. هذا التناقض الصارخ بين ماضٍ مشرق وحاضر قاتم يعمق الإحساس بالفجيعة والخسارة. استعارة “الزهور” التي تملأ الدنيا و”الأماني” التي تفوح كالعطر تصور الحب كواحة خضراء في صحراء الحياة، قبل أن تتحول إلى أطلال.
عبارات مثل “غريب أنا غير أهل” و”قلباً حزين مجروح” تعكس حالة الضياع والغربة النفسية التي يعيشها الشاعر بعد الفراق. فهو لا يعاني فقط من خسارة الحبيب، بل من فقدان الإحساس بالانتماء والأمان الذي كان يوفره هذا الحب.
” الوفاء رغم الألم: صمود القلب المحب”
يؤكد الشاعر في المقطع الثاني على وفائه رغم الجفاء “عمرى ما اتنكرت ما جافيت، ياغالى أنا طول عمرى ما حنيت لغيرك يوم ولا أتمنيت”. هذه المقارنة الضمنية بين وفائه وخيانة المحبوب تزيد من حدة المفارقة الدرامية في القصيدة، وتعكس رؤية الشاعر للحب كالتزام أخلاقي وليس مجرد عاطفة متقلبة.
تصوير الحياة بعد الفراق كحياة بلا معنى أو بهجة (“وخلافك ريده ما حبيت ولا غنيت أغاني الفرحة ما أتهنيت”) يعكس عمق تأثير هذا الحب على روح الشاعر. فالمحبوب ليس مجرد شخص، بل هو مصدر السعادة والمعنى في الحياة.
” الصراع النفسي: بين ذاكرة لا تمحى وواقع مؤلم”
المقطع الأخير يكشف عن الصراع النفسي العميق الذي يعيشه الشاعر. فرغم الألم والخذلان، يظل المحبوب حاضرًا في أعماقه “كنور كلمات تزغرد في حياتي”. هذا التصوير الشعري البديع للحب كنور وأغنية يتناقض مع صورة “اللوعة” و”الأسى” و”الآهات” التي تعكس الواقع المؤلم.
سؤال الشاعر “كيف في لحظة داير قلبى ينسى الفات” يعكس حيرته وعجزه عن التصالح مع حقيقة التغير المفاجئ. إنها صرخة إنسان يواجه الزمن نفسه، يتساءل كيف يمكن لشيء بهذا العمق والجمال أن ينتهي “في لحظة”.
” الأبعاد الفنية والجمالية في القصيدة”
تتميز قصيدة “غرام الروح” بجماليات لغوية وفنية خاصة، منها: استخدام اللهجة العامية السودانية بشكل شاعري يمنح القصيدة دفئًا وألفة خاصة، ويقربها من وجدان المتلقي السوداني، كما تزخر القصيدة بصور شعرية بديعة مثل “زهور بتملأ دنياى” و”نور كلمات تزغرد” و”تنور لى دروب أيامى زى شمعات”.
التضاد والمفارقة : الصراع بين الماضي والحاضر، بين الوفاء والجفاء، بين النور والظلام، مما يعمق الإحساس بالمأساة. الإيقاع الداخلي : رغم عدم التزام القصيدة بالوزن الشعري التقليدي، إلا أنها تحتفظ بإيقاع داخلي متدفق يناسب الغناء والتلحين.
” الأبعاد الإنسانية: قصة كل محب”
تتجاوز قصيدة “غرام الروح” حدود التجربة الذاتية لتصبح صوتًا لكل من عاش تجربة الحب والخذلان. إنها تلامس أعماق النفس البشرية وتعبر عن حقائق إنسانية خالدة: كيف نظل أوفياء لذكرى الحب حتى بعد انطفاء جذوته، كيف نصارع بين العقل الذي يدرك النهاية والقلب الذي يرفض نسيان البدايات.
في النهاية، تبقى “غرام الروح” أكثر من مجرد قصيدة غنائية – إنها وثيقة إنسانية تسجل لحظة فارقة في رحلة الإنسان مع الحب، لحظة المواجهة بين الأمل والخيبة، بين الذكرى والواقع، بين النور والظلام. وربما كان هذا هو سر خلودها وقدرتها على مخاطبة القلوب عبر الزمان والمكان.
يستحق د. جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، أن يُمنح عن جدارة “نوط الدهاء والذكاء…
حزنت كثيرا لابو نمو و هو يمارس التزييف المتعمد للتاريخ و يحرف الكلم عن…
وافق رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال مكالمة هاتفية مع الأمين العام…
كشفت معلومات متطابقة عن تدمير سلاح الطيران السوداني معسكر يتبع لقوات الدعم السريع المتمردة تدميرا…
سلّم سفير السودان المرشح لدى دولة إريتريا ، أسامه أحمد عبد الباريء امس نسخة من…
أعلنت شركة تاركو للطيران عن استئناف رحلاتها المجلية إلى مطار كسلا الدولي ابتداءً من 1…