Categories: الأعمدة

“فضيحة الشهادة السودانية 2023: عندما تتحول أحلام الطلاب إلى سراب”

بقلم : معاوية أبوالريش
في مشهد مؤثر انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت طالبة من ولاية النيل الأبيض “كوستي” تذرف دموع الحسرة بعد إعلان نتائج الشهادة السودانية لدفعة 2023. لم تكن دموعها مجرد تعبير عن خيبة أمل شخصية، بل كانت صرخة تعبر عن مأساة جماعية طالت الآلاف من الطلاب السودانيين الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لما يبدو أنه تلاعب صارخ في نتائج الامتحانات.
” التفاصيل الصادمة للفضيحة”
تكشفت الفضيحة عندما لاحظ الطلاب وأولياء أمورهم تناقضات صارخة في النتائج المعلنة. فمن جهة، حصل طلاب لم يجلسوا أصلاً للامتحانات على نتائج إيجابية ونسب مرتفعة، ومن جهة أخرى، فوجئ طلاب مجتهدون توقعوا التفوق بنسب متدنية لا تعكس مستواهم الحقيقي أو جهودهم المبذولة.
” معاناة الطلاب في ظل الحرب”
الأكثر إيلاماً في هذه المأساة هو ظروف الطلاب الذين تحدوا أهوال الحرب المستعرة في السودان للوصول إلى مراكز الامتحانات. لقد اجتازوا طرقاً محفوفة بالمخاطر، وعاشوا في ظروف قاسية، ودفعت عائلاتهم رسوماً باهظة للامتحانات رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد. كل هذه التضحيات ذهبت سدى في لحظة واحدة عندما اكتشفوا أن النتائج المعلنة لا تمت للواقع بصلة.
” تسييس التعليم وتداعياته”
تشير كل الدلائل إلى أن وزارة التربية والتعليم ربما لم تصحح الامتحانات بشكل منهجي وسليم، وأنها اضطرت لإعلان نتائج عشوائية لاعتبارات سياسية تتعلق بمحاولة إظهار استقرار الأوضاع في البلاد. وعندما انكشفت الحقيقة، سارع وزير التربية والتعليم إلى نفي كل الاتهامات وتأكيد صحة النتائج، في محاولة واضحة لإخفاء فضيحة غير مسبوقة في تاريخ امتحانات الشهادة السودانية.
” الأبعاد النفسية للأزمة على الطلاب”
لم تقتصر آثار هذه الفضيحة على الجانب الأكاديمي فحسب، بل امتدت لتترك ندوباً نفسية عميقة لدى الطلاب. فالإحباط والشعور بالظلم والخذلان أصبحت مشاعر مسيطرة على جيل كامل من الشباب الذين كانوا يعقدون آمالاً كبيرة على نتائج هذه الامتحانات. إن الضرر النفسي الناجم عن هذه التجربة قد يرافق العديد منهم لسنوات قادمة، ويؤثر سلباً على ثقتهم بأنفسهم وبمؤسسات الدولة.
” التضحيات المادية لأولياء الأمور”
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها السودان، قدم الآباء والأمهات تضحيات جسيمة لتمكين أبنائهم من أداء الامتحانات. قامت أسر كثيرة باقتراض المال أو بيع ممتلكات ثمينة لتغطية الرسوم الباهظة للامتحانات، ناهيك عن تكاليف الدروس الخصوصية والمذكرات وغيرها من مستلزمات الاستعداد. هذه التضحيات المادية تضاعف من فداحة الخسارة عندما تأتي النتائج مخيبة للآمال وغير عادلة.
” انعكاسات الأزمة على سمعة التعليم السوداني”
تلقي هذه الفضيحة بظلال من الشك على مصداقية نظام التعليم السوداني بأكمله، وتهز ثقة المجتمع المحلي والدولي في جودة مخرجاته. فالشهادة السودانية التي كانت تحظى باحترام كبير في المنطقة، أصبحت الآن موضع تساؤل وريبة. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع فرص الطلاب السودانيين في القبول بالجامعات الإقليمية والعالمية، وإلى تدهور القيمة العلمية للشهادات السودانية في سوق العمل.
” المطالبات الشعبية والحقوقية”
أثارت هذه القضية موجة من الاحتجاجات الطلابية والمطالبات الحقوقية من منظمات المجتمع المدني. فقد تعالت الأصوات المطالبة بإجراء تحقيق شفاف ومستقل في ملابسات النتائج، وبمحاسبة المسؤولين عن هذا الخلل الجسيم. كما طالب العديد من أولياء الأمور والمعلمين بإعادة تصحيح أوراق الإجابة أو إعادة الامتحانات بالكامل لضمان تقييم عادل لجميع الطلاب.
“الحلول المقترحة لاستعادة الثقة”
هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فورية وجذرية لاستعادة الثقة في نظام الامتحانات السوداني. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات:
– تشكيل لجنة مستقلة من خبراء التربية والتعليم لمراجعة عملية تصحيح الامتحانات والنتائج المعلنة.
– إتاحة الفرصة للطلاب للاطلاع على أوراق إجاباتهم وتقديم طلبات المراجعة.
– إعادة تصحيح عينات عشوائية من أوراق الإجابة للتحقق من مدى دقة التصحيح الأصلي.
– تحديث نظام إدارة الامتحانات وإدخال التكنولوجيا الحديثة لضمان الشفافية والدقة.
– إجراء إصلاحات هيكلية في وزارة التربية والتعليم لمنع تكرار مثل هذه الفضائح مستقبلاً.
” الدروس المستفادة من الأزمة”
يمكن استخلاص دروس مهمة من هذه الأزمة، أبرزها ضرورة فصل التعليم عن التجاذبات السياسية، وأهمية بناء أنظمة تقييم محصنة ضد التلاعب والفساد. كما تؤكد الأزمة على أهمية دور المجتمع المدني والإعلام في كشف مثل هذه التجاوزات والضغط من أجل المساءلة والإصلاح.
إن الحق في تعليم عادل وتقييم نزيه هو حق أساسي لكل طالب، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان. فضيحة الشهادة السودانية 2023 ليست مجرد حدث عابر، بل هي جرس إنذار يدق ناقوس الخطر حول مستقبل التعليم في بلد أنهكته الحروب والأزمات، ويحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى بناء أجيال متعلمة قادرة على النهوض به من كبوته. إن استعادة النزاهة والمصداقية في نظام التعليم ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من مؤسسات رسمية ومجتمع مدني وأولياء أمور ومعلمين وطلاب.

ahmed

Recent Posts

ألف مبروك النجاح ” منتقى أيمن جودة ” في الشهادة الإبتدائية وعقبال الدكتوراة

أسرة صحيفة " أمدر تايمز " ورئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير الاستاذ أسامة صالح والمدير…

6 دقائق ago

حركة مناوي : الحكومة الحالية لا تحظى بحاضنة سياسية متكاملة

أكد الصادق علي النور، الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي،…

11 دقيقة ago

السودان … شرطة ولاية الخرطوم تجمع 454 مركبة

كشف الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة، العميد فتح الرحمن محمد التوم، عن تجميع 454 مركبة…

17 دقيقة ago

من دهاليز المحاكم السودانية – قصة كرتونة المخدرات

في عام 2005، كان الزمان يحمل في طياته رائحة التغيير.. رائحة الفترة الانتقالية التي تشبه…

31 دقيقة ago

(الشيزوفرينيا السياسية)

صباحات وطن الجمال الجديد المنشود وجمعة طيبة مباركة للجميع وعنوان المقال انا وطنيٌ لا علاقة…

3 ساعات ago

هل أخطأ د.عبد الله حمدوك قائد مجموعة صمود حين أصر على موقفه الداعي #لوقف الحرب العبثية حتى اغتاظت منه خارجية بورتسودان.؟

✍️ المستشار/مهيد شبارقة... في أزمنة الحرب حين تختلط الأصوات، ويعلو هدير المدافع والطائرات الحربية على…

3 ساعات ago