بورسودان.. رسائل نيران ومشهد حرب يتّسع

لم تكن الضربات الأخيرة  التي استهدفت مناطق استراتيجية في مدينة بورتسودان فجر الثلاثاء مجرد عمليات عسكرية عابرة، بل كشفت عن حجم التخطيط المحكم والدقة التقنية العالية في إصابة أهداف حيوية ومنشآت استراتيجية، بغرض شل عجلة الحياة والإنتاج في المدينة، بل وفي السودان بأكمله.

الهجمات طالت مخزونًا ضخمًا من المواد البترولية، قُدِّر مبدئيًا بنحو 60%، إلى جانب استهداف القواعد العسكرية، ومطار بورتسودان، ومخازن شركات النيل وبشائر، وهما منشأتان تقعان في محيط أحياء سكنية، مما أدى إلى موجة نزوح قسرية لعشرات المواطنين، نتيجة التلوث والانفجارات المتتالية.

ولم تتوقف الرسائل النارية عند هذا الحد، إذ امتد القصف ليصيب فندق “رويال”، الواقع بالقرب من قصر الضيافة، حيث تقيم بعثات دبلوماسية وشخصيات أجنبية، في رسالة تحذير واضحة مفادها أن بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، باتت مدينة غير آمنة. كما طالت الضربات أيضًا رادارات ومرافق خدمية، في مشهد يعكس تحولًا خطيرًا في مسار الحرب.

المعطيات على الأرض تشير إلى أن الصراع بدأ يأخذ طابعًا إقليميًا مقلقًا، مع ورود تقارير عن تدخلات مباشرة من تشاد وجنوب السودان، ضمن مشروع إقليمي أوسع تديره الإمارات، وتخدم من خلاله أجندة إسرائيلية تستهدف وحدة واستقرار السودان.

في ظل هذا المشهد المعقد والمتصاعد، بات من الضروري أن تواصل قيادات القوات المسلحة اجتماعاتها العاجلة، لدراسة كل الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة، بعيدًا عن أية حسابات سياسية آنية. فالمعركة اليوم معركة وطن ووجود، ولا تحتمل أي مناورات أو تسويات سياسية

ومن هنا، نوجه نداءً واضحًا إلى رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة: آن الأوان لطي صفحة “كيف يُحكم السودان” مؤقتًا، والعمل على إنقاذ البلاد من مأزق الحرب الوجودية التي تهدد حاضرها ومستقبلها. يجب تأجيل كل اللقاءات والمقابلات السياسية حتى تضع الحرب أوزارها، فالساحة اليوم للبندقية وللدفاع عن الأرض والشعب، وليس للمحاصصات وتقاسم المناصب.

وعلى الشعب السوداني أن يدرك خطورة المرحلة، وأن يكون في قلب المعركة، مستعدًا لتحمل تبعاتها، والاصطفاف خلف قواته المسلحة في هذا الظرف المفصلي من تاريخ السودان