Categories: الأعمدة

رسالة في بريد رئيس الوزراء المكلّف كامل إدريس هذا ما يريده الناس

بقلم: عبدالعزيز يعقوب – فلادلفيا

دولة رئيس الرئيس،
لا أحد يطلب منك معجزة، ولا ينتظر الناس أن تُخرج لهم من جيبك وطناً معافىً مكتملاً. كل ما يرجونه، أن يشعروا — ولو مرة واحدة — أن من يحكمهم يراهم، يسمع أنينهم، ويفكّر مثلهم، لا عنهم.

لقد أرهقتهم السياسة حين تحوّلت إلى مزادٍ للمصالح، وأرهقتهم الأحزاب التي تصحو في الصالونات وتغيب عن ساحات العمل والإنتاج. ضاقت صدورهم من وطن يُعامَل كضيعة، لا كخريطة مليئة بالخسارات والجراح. سئموا الكلام الطويل الذي لا يغيّر شيئاً، بينما الشوارع تغرق في الطين، والقاذورات، والدم، والخذلان.

يريد السودانيون — ببساطة لا تخطئها القلوب — أن تُجمَّد الخلافات الآن، أن تصمت الأحزاب قليلاً، أن تخجل من جراح الناس وتتّواضع لحين انتخاب حكومة حقيقية، تولد من رحم الشعب لا من الغرف المغلقة.

يريد الناس عدالة تمشي على الأرض لا تُحبس خلف الأسوار. عدالة تُنصفهم في مراكز الشرطة، لا تُمتهن فيها كرامتهم. عدالة تحرسهم في مؤسسات الأمن، لا تبتلع أبناءهم في صمتٍ ثقيل، ولا تشرعن للفساد والمحسوبية.

يريد الناس شرطة مهنية لا تُشترى ولا تُباع، تخدمهم وتحميهم لا تقهرهم. وجيشاً راسخاً كالجبل، لا يتورّط في دهاليز السياسة، بل يصنع السلاح، ويزرع الأمان، ويسهم في بحوث العلم والمعرفة وسند للتنمية والنهضة. يريدون جهاز أمن منضبطاً، محترفاً، لا يختطف الناس في الليل، بل يحرسهم ويحرس هذا الوطن في وضح النهار.

يريد الشباب أن يُدرَّبوا لا يُروَّضوا. أن يُمنحوا فرصة للأمل و الحياة، لا فتات البقاء. يريدون مشاريع حقيقية تُولَد وتعمل بهم ولهم، لا شعارات تموت في أدراج الوزراء. يريدون أن يُوظَّفوا لكفاءاتهم، لا لانتماءاتهم ولا أنسابهم. لقد تعبوا من وطن لا ينصف أحلامهم، ومن وعود لا تُنفّذ.

تريد النساء من يُعيد إليهن الاعتبار، من يصغي لأوجاعهن لا من يستخفّ بها. من يحفظ كرامتهن حين يطرُقن أبواب العدالة، ومن يُرمم ما هدمه العنف والقهر والإقصاء. أما الأطفال، فأحلامهم بسيطة: أن يناموا دون خوف، وأن يذهبوا إلى مدارس لا تتساقط جدرانها، ولا يُدرّس فيها القهر العجز واليأس باسم التربية.

يريد السودانيون مؤسسات محترمة. مدارس تمنح أبناءهم المعرفة، لا محو الأمية فقط. جامعات تُخرّج العقول، لا العاطلين. معاهد تقنية تُتقن العمل لا تُفرغ الشهادات. مستشفيات تُداوي، لا تزيد الأوجاع. بيئة نظيفة لا تفوح منها رائحة النفايات واللامبالاة. يريدون أن لا يُهانوا في مكاتب الدولة، ولا يُقصَوا من المشاريع لأنهم بلا واسطة أو انتماء. يريدون أن يشعروا أن الحكومة تعمل لأجلهم، لا لأجل صراعاتها.

ويعرف السودانيون، كما تعرف، أن الحرب فتكت بالنسيج الاجتماعي، وأن أول أبواب التعافي تبدأ بالعدالة، بالحوار، بالمساواة. فالوطن لا يُبنى بترقيع الخرائط، بل بجبر الخواطر المكسورة. هم يريدون إعادة تأهيل نفسي حقيقي للنساء، للأطفال، للشباب، وللقوات النظامية… يريدون أن نتشافى من هذا الحريق، لا أن نتعايش معه.

ويُدرك الناس أن التعيينات ليست غنائم للترضيات، بل اختبار للنية، وعنوانٌ للمرحلة. فليكن معيارك هو الكفاءة، لا الولاء، والخبرة، لا القربى. كل وزارة اليوم غرفة طوارئ… لا تحتمل المجاملة، ولا التجريب.

يريد الناس ببساطة أن يشعروا أن هذا الوطن وطنهم.

سيادة رئيس الوزراء، لن تُحاسَب فقط على ما ستفعل، بل على ما لن تفعل. على صمتك حين يتكلم المنتفعون، وعلى إنصافك حين يصمت المظلومون. على قدرتك أن تكون رجل الدولة… لا رجل اللحظة والمرحلة.

الشعب لا يطلب بطلاً، بل مسؤولاً شريفاً، يحس و يصغي، و يتواضع، ويبدأ من الناس وبهم، لا من فوق أبراج عاجية معزولة عن جراحهم وآهاتهم و حياتهم.
هذا ما يريده الناس.
فهل تفعل؟؟

ayagoub@gmail.com
19 مايو 2025

osama

Recent Posts

الجكومي يتجه لتدريب 50 ألف شاب من أبناء الشمال في إريتريا

أفادت مصادر مطلعة بحصول رئيس كيان الشمال محمد سيدأحمد سرالختم الجكومي، رئيس مسار الشمال في…

3 ساعات ago

السودان … وزير الداخلية يجري تنقلات واسعة وتغييرات إدارية من أجل الإرتقاء بالأمن

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الداخلية السوداني أول قراراته عقب توليه المنصب، والتي…

3 ساعات ago