Categories: الأعمدة

” عندما يصرخ الشباب في وجه اليأس: قراءة في قصيدة “المصير” لسيف الدين الدسوقي”

بقلم: معاوية أبوالريش
تُعد قصيدة “المصير” للشاعر سيف الدين الدسوقي، والتي غناها الفنان إبراهيم عوض، صرخة شبابية حقيقية في وجه اليأس والاستسلام. تحمل هذه القصيدة في طياتها روح التحدي والإصرار على الاستمرار، وترفض قبول فكرة الانهزام أو التراجع أمام صعوبات الحياة. إنها نشيد للشباب الذي يؤمن بقدرته على تجاوز المحن وصنع المستقبل.
” التحليل الموضوعي والفكري” المحور الأول: رفض الهروب من المصير:
تبدأ القصيدة بسؤال استنكاري قوي يضع الإصبع على جرح عميق في نفسية الإنسان المعاصر:
“ليه بنهرب من مصيرنا / نقضي أيامنا في عذاب”
هنا يطرح سيف الدين الدسوقي قضية فلسفية عميقة حول علاقة الإنسان بمصيره. فالهروب من المصير لا يعني تجنبه، بل يعني العيش في حالة من القلق والتوتر المستمر. الشاعر يرى أن هذا الهروب هو مصدر العذاب الحقيقي، وليس المصير نفسه.
“ليه تقول لي إنتهينا / و نحن في عز الشباب؟”
يأتي السؤال الثاني ليؤكد على فكرة أساسية: أن الشباب هو زمن البدايات وليس النهايات. الشاعر يرفض منطق اليأس الذي يجعل الإنسان يستسلم في أوج قوته وحيويته.
المحور الثاني: الحب كقوة دافعة ومعنى للوجود:
في المقطع الثاني، ينتقل الشاعر إلى معالجة موضوع الحب والعلاقات الإنسانية:
“نحن في الأيام بقينا / قصة ما بتعرف نهاية”
يصور الشاعر الحياة كقصة مفتوحة النهايات، مما يؤكد على فكرة اللانهائية والاستمرارية. هذا التصور يتناقض مع فكرة “الانتهاء” التي يرفضها الشاعر.
“إبتدت ريدة و محبة / أصبحت في ذاتها غاية”
هنا إشارة إلى تطور العلاقة من البراءة الأولى إلى عمق أكبر، حيث تصبح المحبة هدفاً في حد ذاتها وليس مجرد وسيلة. هذا يعكس نضج الشاعر في فهم طبيعة الحب الحقيقي.
“كنت تمنحني السعادة / و لي تتفجر عطايا”
يستخدم الشاعر صورة “التفجر” للدلالة على غزارة العطاء وقوته، مما يضفي حيوية وطاقة على النص.
“و لما أغرق في دموعي / بتبكي من قلبك معايا”
تُظهر هذه الأبيات عمق التواصل العاطفي والتعاطف المتبادل، حيث يصبح الألم مشتركاً والدموع لغة تواصل صادقة.
المحور الثالث: استحضار الماضي كمصدر قوة:
“نحن في ماضينا قوة / قوة تتحدى الصعاب”
يؤكد الشاعر على أهمية الماضي ليس كذكرى نحن إليها، بل كمصدر قوة للحاضر والمستقبل. الماضي هنا ليس عبئاً بل زاداً للرحلة.
“تقطع الليل المخيم / تمشي في القفر اليباب”
يستخدم الشاعر صوراً من البيئة الصحراوية (“القفر اليباب”) والليل المظلم ليجسد صعوبات الحياة، لكنه يؤكد على قدرة هذه القوة على اختراق الظلام والسير في أصعب الظروف.
“كنا للناس رمز طيبة / و كنا عنوان للشباب”
هنا يبرز الشاعر الدور الاجتماعي المهم الذي يلعبه الشباب كقدوة ورمز للخير في المجتمع.
“لسة تايهين لينا مدة / بنجري من خلف السراب”
رغم القوة المذكورة، يعترف الشاعر بحالة من التيه الموقت، لكن هذا الاعتراف لا يعني الاستسلام بل إقراراً بطبيعة الرحلة الإنسانية.
المحور الرابع: الرسالة والمسؤولية الاجتماعية:
“تاني ما تقول إنتهينا / بتنهي جيل ينظر إلينا”
يكشف هذا البيت عن وعي عميق بالمسؤولية الاجتماعية. الشاعر يدرك أن اليأس والاستسلام لا يؤثر على الفرد وحده، بل على جيل كامل ينظر إليه كقدوة.
“باني أمالو و طموحو / و معتمد أبداً علينا”
يؤكد على دور الشباب في بناء آمال الأجيال القادمة وتطلعاتها، مما يجعل مسؤوليتهم أكبر وأعمق.
“نحن قلب الدنيا دي / نحن عز الدنيا بينا”
يختتم الشاعر بتأكيد قوي على الأهمية المحورية للشباب في الحياة. استخدام كلمة “قلب” يشير إلى الحيوية والضرورة، بينما “عز” تشير إلى الفخر والقوة.
“تاني ما تقول إنتهينا / نحن يا دوب إبتدينا”
الخاتمة تعود إلى بداية القصيدة لتؤكد الرسالة الأساسية: رفض اليأس والتأكيد على أن الشباب في بداية الطريق وليس نهايته.
” التحليل الفني والأسلوبي”
البنية الإيقاعية:
تتميز القصيدة ببنية إيقاعية متدفقة تناسب الطبيعة الغنائية للنص. الشاعر استخدم بحوراً قصيرة تتناسب مع الطابع الشعبي والشبابي للقصيدة.
” الصور الشعرية”
نجح الشاعر في توظيف صور شعرية قوية ومؤثرة:
– صور الطبيعة : “الليل المخيم”، “القفر اليباب”، “السراب”
– صور الحركة : “بنجري”، “تمشي”، “تقطع”
– صور العاطفة : “تتفجر”، “أغرق في دموعي”
” اللغة والأسلوب”
استخدم الشاعر اللهجة العامية بطريقة فنية راقية، مما جعل النص قريباً من قلوب الناس ومفهوماً لجمهور واسع. كما وظف أساليب بلاغية متنوعة:
– الاستفهام الإنكاري : “ليه بنهرب”، “ليه تقول”
– التشبيه : “قصة ما بتعرف نهاية”
– الاستعارة : “قلب الدنيا”، “عز الدنيا”
” الرسالة الإنسانية والاجتماعية”
تحمل قصيدة “المصير” رسالة إنسانية عميقة تتجاوز حدود الزمان والمكان. إنها دعوة للشباب في كل مكان لرفض اليأس والاستسلام، والإيمان بقدرتهم على تغيير الواقع وصنع المستقبل.
الشاعر لا يتجاهل الصعوبات والتحديات، بل يعترف بها ويضعها في سياقها الصحيح كجزء من رحلة الحياة الطبيعية. لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن هذه التحديات لا يجب أن تكون سبباً في الاستسلام.
قصيدة “المصير” لسيف الدين الدسوقي تمثل نموذجاً راقياً للشعر الملتزم الذي يحمل رسالة إنسانية نبيلة. إنها قصيدة تستحق الدراسة والتأمل، ليس فقط لجمالها الفني، بل أيضاً لقوة رسالتها ومعاصرتها.
في عالم يموج بالتحديات والصعوبات، تأتي هذه القصيدة لتذكرنا بأن الشباب هو قوة التغيير الحقيقية، وأن المستقبل يُصنع بالإرادة والعزيمة وليس بالأحلام والأماني فقط.
إن صوت إبراهيم عوض الذي حمل هذه الكلمات إلى الناس أضاف إليها بُعداً جديداً من التأثير والانتشار، مما جعلها تصل إلى قلوب الآلاف وتترك أثراً عميقاً في نفوسهم.
هكذا تبقى قصيدة “المصير” شاهداً على قدرة الكلمة الصادقة على تحريك المشاعر وإثارة الهمم، وتأكيداً على أن الشعر الحقيقي هو الذي يلامس روح الإنسان ويدفعه نحو الأفضل.

ahmed

Recent Posts

الأهلي المصري يحسم الجدل حول حقيقة بيع “زيزو”

حسم مصدر مسؤول داخل النادي الأهلي التقارير الأخيرة التي تحدثت عن تلقي أحمد سيد "زيزو"…

دقيقة واحدة ago

«نسمات أيلول».. دراما سورية تعيد دفء العلاقات والحنين إلى حضن الوطن

رغم الزخم الكبير الذي تشهده الساحة الدرامية من مسلسلات بأفكار وسيناريوهات متباينة، استطاع المسلسل السوري…

10 دقائق ago

أنتصار السيسي توجه الهلال الأحمر بتقديم المساعدات بعد حادث “صبايا” المنوفية المروع

وجهت انتصار السيسي قرينة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الهلال الأحمر المصري بسرعة تقديم الدعم…

13 دقيقة ago

“تاركو” تكرم “القنصل المصري”

نظّمت شركة تاركو للطيران حفلًا تكريميًا للوزير المفوض المستشار تامر منير قنصل عام جمهورية مصر…

19 دقيقة ago

حادثة وإصابات بين مجندين بعد يوم من فاجعة “صبايا العنب” في مصر

انقلبت سيارة تابعة لقوات الأمن المركزي المصري صباح اليوم السبت، على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية،…

19 دقيقة ago