#image_title
بقلم: المستشار معاوية أبوالريش
في خضم التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة في السودان، تصاعدت الأزمة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد اتهامات واشنطن للحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيميائية محظورة دولياً في الحرب الدائرة ضد قوات الدعم السريع. وفي استجابة سريعة لهذه الاتهامات، أعلنت الخارجية السودانية عن قرار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في هذه المزاعم، في خطوة تهدف إلى إظهار الشفافية ودحض الاتهامات الأمريكية.
” جذور الأزمة والسياق الدولي”
تأتي هذه التطورات في إطار تصاعد التوتر بين السودان والولايات المتحدة، حيث حددت واشنطن في أبريل 2025 أن الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية في عام 2024، وهو ما دفعها لفرض عقوبات جديدة على الخرطوم. هذا الاتهام لا يأتي في فراغ، بل يندرج ضمن الضغوط الدولية المتزايدة على السودان في ظل الحرب المستمرة منذ أبريل 2023.
من جانبه، رفض السودان هذه الاتهامات بقوة، واصفاً إياها بالكاذبة وعديمة الأساس القانوني والأخلاقي. وقال المتحدث باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر إن “هذا التدخل الذي يفتقر إلى أي أساس أخلاقي أو قانوني، يحرم واشنطن مما تبقى من مصداقيتها ويغلق الباب أمام أي نفوذ في السودان”.
” تصريحات العطا والأسلحة النوعية الغامضة”
في هذا السياق المتوتر، تكتسب تصريحات الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، أهمية خاصة. فقد أعلن العطا في فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيش السوداني سيستخدم “أسلحة نوعية” وأنهم سيستخدمونها “بالقدر اللازم الذي سيسمح به السيد القائد العام للقوات المسلحة السودانية”.
هذه التصريحات الغامضة تثير تساؤلات جدية حول طبيعة هذه الأسلحة النوعية التي لم يكشف العطا النقاب عن نوعها أو مصدرها. فهل يقصد بها أسلحة متطورة تقليدية حصل عليها الجيش السوداني مؤخراً؟ أم أنها تشير إلى نوع آخر من الأسلحة غير التقليدية؟
” تحليل توقيت تشكيل اللجنة الوطنية”
يثير توقيت تشكيل اللجنة الوطنية للتحقيق في اتهامات الأسلحة الكيميائية عدة تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة. فبينما تقدم الحكومة السودانية هذه اللجنة كدليل على شفافيتها ورغبتها في كشف الحقيقة، يمكن النظر إليها من زاوية أخرى كمناورة سياسية لكسب الوقت والتخفيف من الضغوط الدولية.
تضم اللجنة ممثلين من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وجهاز المخابرات العامة، وهو تشكيل يعكس الطبيعة الحساسة للموضوع والحاجة إلى تنسيق بين مختلف الأجهزة الحكومية. لكن السؤال الأساسي يبقى حول مدى استقلالية هذه اللجنة وقدرتها على إجراء تحقيق شفاف ومحايد.
” البعد الإقليمي والدولي للأزمة”
لا يمكن فهم هذه التطورات بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الأوسع. فالسودان يعيش حرباً أهلية مدمرة تشارك فيها قوى إقليمية ودولية متعددة، كل منها يسعى لحماية مصالحه الاستراتيجية. وقد اتهم الفريق ياسر العطا الإمارات العربية المتحدة بدعم قوات الدعم السريع، بينما يواجه السودان اتهامات بالحصول على أسلحة من مصادر متنوعة.
في هذا الإطار، تأتي الاتهامات الأمريكية كجزء من استراتيجية أوسع للضغط على الحكومة السودانية وإجبارها على تغيير سلوكها في النزاع الداخلي. وهو ما يفسر الرد السوداني القوي ورفض هذه الاتهامات كونها تدخلاً في الشؤون الداخلية.
“التحديات أمام لجنة التحقيق الوطنية”
تواجه اللجنة الوطنية للتحقيق تحديات جمة في عملها، أهمها:
أولاً: مسألة المصداقية الدولية، حيث قد تنظر الأطراف الدولية إلى تحقيق داخلي بشك، خاصة وأن الاتهامات تأتي من جهة خارجية بناء على معلومات استخباراتية.
ثانياً: صعوبة الوصول إلى مناطق القتال والتحقق من استخدام أسلحة معينة في ظل استمرار العمليات العسكرية.
ثالثاً: التحدي المتمثل في إثبات عدم الاستخدام، وهو أمر أصعب من إثبات الاستخدام من الناحية الفنية والقانونية.
” سيناريوهات محتملة للمستقبل”
في ضوء هذه التطورات، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: أن تخلص اللجنة الوطنية إلى عدم صحة الاتهامات الأمريكية، مما قد يزيد من التوتر مع واشنطن ويدفعها لفرض عقوبات إضافية.
السيناريو الثاني: أن تكشف اللجنة عن معلومات تؤكد استخدام أسلحة معينة، لكنها تنفي كونها كيميائية أو محظورة دولياً، مما قد يفتح المجال للتفاوض حول طبيعة هذه الأسلحة.
السيناريو الثالث: أن تستغرق اللجنة وقتاً طويلاً في تحقيقها، مما يسمح للحكومة السودانية بكسب الوقت والتعامل مع ضغوط أخرى أكثر إلحاحاً.
تكشف أزمة اتهامات الأسلحة الكيميائية في السودان عن تعقيدات الوضع السياسي والعسكري في البلاد، وتظهر كيف تتداخل الاعتبارات الداخلية مع الضغوط الدولية. وبينما تسعى الحكومة السودانية من خلال تشكيل لجنة التحقيق إلى إظهار حسن النية والشفافية، تبقى التساؤلات مطروحة حول فعالية هذه الآلية في ظل استمرار النزاع المسلح.
من المهم أن تعمل اللجنة الوطنية بشفافية كاملة وأن تسمح لخبراء دوليين بالمشاركة في عملها لضمان المصداقية. كما يجب على الحكومة السودانية أن توضح موقفها من تصريحات الفريق العطا حول الأسلحة النوعية، وأن تؤكد التزامها بالقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حظر الأسلحة الكيميائية.
في النهاية، لن تحل لجنة التحقيق الوطنية الأزمة السودانية، لكنها قد تساهم في تهدئة التوترات الدبلوماسية وتفتح المجال أمام حوار أوسع حول إنهاء النزاع المسلح الذي يدمر البلاد منذ أكثر من عامين . والأهم من ذلك، أن تكون هذه الخطوة جزءاً من مساعٍ جدية لحماية المدنيين والالتزام بقواعد القتال المقبولة دولياً، بعيداً عن استخدام أي أسلحة قد تزيد من معاناة الشعب السوداني.
أفادت مصادر مطلعة بحصول رئيس كيان الشمال محمد سيدأحمد سرالختم الجكومي، رئيس مسار الشمال في…
في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الداخلية السوداني أول قراراته عقب توليه المنصب، والتي…