#image_title
بقلم: المستشار : معاوية أبوالريش
في خضم الحرب الدائرة والدمار الشامل الذي يشهده السودان، قرر رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، الإثنين 19 مايو 2025، تعيين كامل الطيب إدريس رئيساً للوزراء، في خطوة وصفها المراقبون بأنها محاولة يائسة لإضفاء شرعية مدنية على نظام عسكري فقد مصداقيته. ويأتي هذا التعيين وسط اتهامات محلية ودولية بأن البروفيسور كامل إدريس يحمل تاريخاً مثيراً للجدل، حيث بعد اتهامه بتزوير تاريخ ميلاده، أجرت الويبو تحقيقاً داخلياً لم تنتج عنه إدانة، إلا أن هذه القضية تركت ظلالاً قاتمة على سمعته المهنية.
الرجل الذي تولى منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية خلال الفترة بين 1997 و2008، والذي ترشح ضد الرئيس المعزول عمر البشير في انتخابات 2010، يجد نفسه اليوم في موقف أشبه بالمستحيل. فالاتهامات التي لاحقته طوال مسيرته المهنية، والتي تتمحور حول تزوير تاريخ ميلاده للاستفادة من امتيازات المنظمات الدولية، تطارده مجدداً في لحظة حاسمة تتطلب قيادة نظيفة وموثوقة.
ويرى العديد من المحللين أن اختيار إدريس لم يكن قراراً مستقلاً من البرهان، بل جاء بإملاء من قيادات فلول النظام البائد، وعلى رأسهم علي كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، الذين يحركون خيوط السلطة من وراء الستار. هذا الأمر يضع علامات استفهام كبيرة حول الاستقلالية الحقيقية لرئيس الوزراء الجديد، ويؤكد أن تعيين كامل إدريس على أساس الوثيقة الدستورية الجديدة يجعل منه موظفاً عند العسكر ولا سلطة له.
وفي تصريحات جريئة لأحد الساسة الأوروبيين، وُصف كامل إدريس بأنه لن يكون إلا دمية يحركها العسكر القابضون على السلطة في البلاد بقوة السلاح، مما يعكس النظرة الدولية المتشككة تجاه هذا التعيين وقدرته على إحداث تغيير حقيقي.
الملفات الشائكة التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد تبدو أكبر من قدراته وإمكانياته المحدودة. فملف الأمن والاستقرار يتصدر قائمة التحديات، حيث تشهد البلاد حرباً مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، تاركة خلفها آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين. وملف الصحة والتعليم يعاني من انهيار تام، حيث تفشت الأوبئة والأمراض في ظل انقطاع الخدمات الأساسية. أما ملف إعادة الخدمات الأساسية للمواطنين فيبدو كالحلم المستحيل في ظل انقطاع الكهرباء والمياه وتلوثها، مما يجعل الحياة اليومية للسودانيين كابوساً حقيقياً.
ولعل أصعب التحديات التي تواجه إدريس هو ملف تشكيل الحكومة الجديدة بعد حل الحكومة السابقة. أعلن رئيس الوزراء السوداني، كامل الطيب إدريس، حل الحكومة الانتقالية، وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير المهام إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو قرار أثار غضب الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، والتي تضمن لها المشاركة في الحكم بنسب محددة. حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان، حيث عبّرت قياداتها عن رفضها لحل الحكومة السابقة ومساس رئيس الوزراء الجديد بمناصبهم.
هذا الرفض من الحركات المسلحة يضع إدريس أمام معادلة صعبة، فمن جهة عليه أن يحترم اتفاقية جوبا التي منحت هذه الحركات حصة 25% من الحكومة، ومن جهة أخرى عليه أن يلبي رغبات العسكريين الذين عينوه ويحافظ على توازنات القوى المعقدة في الساحة السياسية السودانية.
المشهد السياسي السوداني اليوم يشبه حقل ألغام محاط بالمستحيلات، فالبلاد تمر بأسوأ أزمة في تاريخها الحديث، والاقتصاد ينهار تحت وطأة الحرب والعقوبات، والشعب يعاني من أوضاع إنسانية كارثية. وفي هذا السياق، يبدو تعيين رئيس وزراء جديد مجرد مسكن مؤقت لجرح عميق يحتاج إلى عملية جراحية كبرى لا تقدر عليها الحكومات الهشة.
العالم ينظر إلى التطورات في السودان بقلق بالغ، رحّب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف بهذه الخطوة، واصفاً إياها بأنها تمثل تطوراً مهما على طريق تحقيق الحكم الشامل، لكن هذا الترحيب الحذر لا يخفي الشكوك الدولية حول قدرة الحكومة الجديدة على إحداث تغيير حقيقي أو إنهاء الصراع المدمر.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه كامل إدريس ليس فقط في تسيير الأمور اليومية للدولة، بل في إعادة بناء الثقة المفقودة بين الشعب والحكومة، وإقناع المجتمع الدولي بجدية النوايا تجاه الحل السلمي والانتقال الديمقراطي. فالرجل الذي يحمل تاريخاً مثيراً للجدل يحتاج إلى إنجازات استثنائية ليثبت أنه قادر على تجاوز ماضيه وقيادة السودان نحو المستقبل.
الخلاصة أن تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء يأتي في أصعب الظروف التي يمر بها السودان، وفي ظل تحديات داخلية وخارجية هائلة قد تفوق قدرات أي حكومة، فضلاً عن حكومة تفتقر إلى الشرعية الشعبية والدعم السياسي الحقيقي. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل سيتمكن هذا الرجل المثير للجدل من كسر حلقة الفشل المتواصلة وقيادة البلاد نحو بر الأمان، أم أنه سيكون مجرد فصل جديد في مأساة سودانية طويلة لا تنتهي؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، لكن المؤشرات الأولية لا تبشر بالخير، والشعب السوداني ينتظر المعجزات في زمن انعدمت فيه كل أسباب الأمل.
أفادت مصادر مطلعة بحصول رئيس كيان الشمال محمد سيدأحمد سرالختم الجكومي، رئيس مسار الشمال في…
في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الداخلية السوداني أول قراراته عقب توليه المنصب، والتي…