Categories: الأعمدة

” عندما تصبح أقسام الشرطة مسالخ للأبرياء: عبدالسلام شهيد الكرامة في زمن الانحطاط”

بقلم : المستشار: معاوية أبوالريش

IMG 20250609 WA0031

IMG 20250609 WA0032

IMG 20250609 WA0033
في زمن تداعت فيه القيم وانهارت فيه أركان العدالة، وأصبحت أقسام الشرطة – التي من المفترض أن تكون حصون الأمان – مسارح للجريمة والتعذيب، تطل علينا مأساة جديدة من مآسي السودان الجريح، مأساة تقطر دماً وتفيض ألماً، مأساة الرجل البسيط عبدالسلام، الذي قُتل تعذيباً في قسم شرطة الثورة الحارة الرابعة لا لشيء إلا لأنه طالب بحقه المشروع في إيجار منزله.
” عبدالسلام: رجل بسيط في وجه آلة الظلم”
كان عبدالسلام رجلاً بسيطاً، يعرفه أهل حيه بـ”الزول الدرويش”، لا يملك من حطام الدنيا إلا بيتاً متواضعاً يؤجر جزءاً منه ليعيش مع أسرته بكرامة. لم يكن يطلب الكثير من الحياة، فقط أن يعيش بسلام وأن يحصل على حقه دون ظلم أو عدوان. لكن القدر شاء أن يصطدم هذا الرجل البسيط بآلة الظلم الجهنمية التي تحكم بلادنا اليوم.
مائة ألف جنيه فقط! هذا كل ما طالب به عبدالسلام من مستأجرة منزله. مبلغ زهيد لا يساوي ثمن وجبة في مطعم راقٍ، لكنه كان يعني له ولأسرته الكثير. وعندما طالب بحقه المشروع، لم يكن يعلم أنه يوقع على حكم إعدامه بيده.
” مؤامرة دنيئة بثوب قانوني”
ما حدث لعبدالسلام ليس مجرد جريمة عادية، بل مؤامرة محبوكة بإحكام، شارك فيها أفراد من القوات المشتركة وضباط وأفراد شرطة وحتى طبيب. مؤامرة هدفها ليس فقط قتل عبدالسلام، بل سرقة منزله وتدمير أسرته تحت غطاء القانون.
تهمة اغتصاب طفلة! هذه هي التهمة الجاهزة التي يلصقونها بكل من يريدون التخلص منه. تهمة بلا أدلة، بلا شهادة طبية معتبرة، بلا إثباتات قانونية، لكنها كافية في زمن انحطاط القضاء لتبرير التعذيب حتى الموت.
” التعذيب: جريمة في حق الإنسانية”
ما تعرض له عبدالسلام في قسم شرطة الثورة الحارة الرابعة يندى له جبين الإنسانية. الضرب بالنار في الصلب، الجلد، المنع من الطعام والشراب، الحبس مع المتهمين الآخرين للضغط عليه نفسياً. وفي النهاية، تركوه يموت وحيداً والنمل ينهش جسده، دون أن تتحرك في قلوبهم ذرة من الرحمة أو الإنسانية.
هل هؤلاء بشر؟ أم وحوش في هيئة بشر؟ كيف يمكن لإنسان أن يشاهد إنساناً آخر يُعذب حتى الموت ولا يتحرك ضميره؟ كيف يمكن لضابط شرطة أقسم على حماية المواطنين أن يشارك في تعذيب مواطن بريء؟
” العيد الملطخ بالدماء”
في يوم عيد الأضحى المبارك، يوم الفرح والبهجة، فارق عبدالسلام الحياة. مات وعلى وجهه ابتسامة، كما شهد من رآه، وكأنه يقول للعالم: “لقد انتصرت على ظالمي، فقد خرجت من دنيا الظلم إلى رحمة الله”
فبينما كان المسلمون يحتفلون بعيدهم ويتبادلون التهاني، كانت أسرة عبدالسلام تتجرع كأس الألم والمرارة. بينما كان الناس يذبحون أضاحيهم تقرباً إلى الله، كان عبدالسلام ينزف حتى الموت في زنزانة قسم الشرطة.
” طمس الأدلة: جريمة فوق الجريمة”
لم تكتف هذه العصابة المجرمة بقتل عبدالسلام، بل حاولت طمس آثار جريمتها. تسجيل سبب الوفاة كـ”هبوط حاد” رغم وضوح آثار التعذيب على الجسد، إخفاء التقارير الطبية، التعتيم على ملابسات القضية. كل هذا يؤكد أننا أمام منظومة إجرامية متكاملة، لا مجرد أفراد منحرفين.
” نداء الضمير الإنساني”
إلى كل من يقرأ هذه الكلمات، إلى كل من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية، إلى كل من يؤمن بالعدالة والحق:
عبدالسلام لم يمت وحيداً، بل مات وهو يحمل آلام وأحزان ملايين السودانيين الذين يعيشون تحت وطأة الظلم والقهر. موته صرخة في وجه هؤلاء الظالمين القتلة، رسالة واضحة أن الشعب السوداني لن يقبل بالذل والهوان.
” مطالبنا واضحة وحقة”
نطالب بتحقيق فوري ومستقل في هذه الجريمة النكراء، تحقيق يكشف كل الحقائق ولا يخفي شيئاً.
نطالب بتقديم كل من شارك في هذه الجريمة للمحاكمة، من القوات المشتركة إلى الضابط المسؤول عن قسم الشرطة وأفراده الذين شاركوا في هذه الجريمة البشعة ، إلى الأطباء المتواطئين، ومحاكمتهم محاكمة عادلة تليق بفداحة جرمهم.
نطالب بالكشف عن كل التقارير والوثائق المتعلقة بهذه القضية، ومحاسبة كل من ساهم في طمس الأدلة أو التستر على الجناة.
نطالب بإعلان عبدالسلام شهيداً للتعذيب، وتقديم التعويض المناسب لأسرته، والاعتذار الرسمي لها من قبل الدولة.
نطالب بإصلاح شامل لمنظومة الأمن والعدالة في السودان، ووضع آليات فعالة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم من قبل هؤلاء المجرمين.
” رسالة إلى أسرة عبدالسلام”
إلى زوجة عبدالسلام الثكلى، إلى أطفاله الأيتام، إلى كل من أحبه وعرف صدقه وطيبته: دموعكم مقدسة، وألمكم مشروع، وحزنكم يشاركه كل إنسان شريف في هذا الوطن. اعلموا أن عبدالسلام لم يمت عبثاً، بل مات ليكون رمزاً للمقاومة ضد الظلم، وشاهداً على وحشية هؤلاء الوحوش.
حقه لن يضيع، ودمه لن يذهب هدراً، وذكراه ستبقى محفورة في قلوب كل الأحرار. سنبقى نقاتل من أجل العدالة حتى يأخذ كل ذي حق حقه.
” عبدالسلام حي في قلوبنا”
في زمن اختلطت فيه الأوراق وضاعت فيه البوصلة، يبقى عبدالسلام رمزاً للصمود والكرامة. مات مظلوماً لكنه لم يمت خانعاً، قتلوا جسده لكن روحه تحلق حرة في السماء.
عبدالسلام، يا شهيد الكرامة، يا ضحية الظلم والطغيان، نقسم بالله العظيم أن حقك لن يضيع، وأن قصة موتك ستكون شاهداً على وحشية هؤلاء القتلة المجرمين، ودافعاً لكل الأحرار للنضال من أجل العدالة.
ارقد بسلام يا عبدالسلام، فأنت حي في قلوبنا، وستبقى ذكراك منارة تضيء طريق النضال من أجل سودان العدالة والكرامة والحرية.
العدالة آتية لا محالة، والظلم إلى زوال، والحق منتصر في النهاية.

ahmed

Recent Posts

الجكومي يتجه لتدريب 50 ألف شاب من أبناء الشمال في إريتريا

أفادت مصادر مطلعة بحصول رئيس كيان الشمال محمد سيدأحمد سرالختم الجكومي، رئيس مسار الشمال في…

6 ساعات ago

السودان … وزير الداخلية يجري تنقلات واسعة وتغييرات إدارية من أجل الإرتقاء بالأمن

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أصدر وزير الداخلية السوداني أول قراراته عقب توليه المنصب، والتي…

6 ساعات ago