Categories: المنوعات

احلام طاهر فريد… أول سودانية تحلق في سماء الضيافة الجوية..

انها” أحلام طاهر فريد” او (ماما أحلام) كما يحلو لطلابها مناداتها من فرط حبهم وتقديرهم لها،وهي الشابة والمرأة التي نحتت إسمها باحرف من نور ومداد من ذهب على جدار قطاع الطيران في السودان ويكفيها فخراً إنها ظلت لخمسة عقود عاشقة في محراب الضيافة الجوية،مضيفة، مديرة، ثم أستاذة تعلم الأجيال.
أبصرت ماما أحلام النور بشارع الدكاترة بمدينة أمدرمان ،ونشأت وسط أسرة مترعة بالحب والألفة في ذلك الزمن الجميل من تاريخ البلاد،فقد كانت أخت لثلاثة فتيات وثلاثة شبان ،ونشأت في بئية تشجع علي التعليم وتميزت أسرتها بالنبوغ وكانت محظوظة لان شقيقها الأكبر كان كابتن طيار وهذا أسهم ايجابا في تشكيل شخصيتها مبكراً وتحديدها لهدفها في الحياة الذي صوبت ناحيته نظرها بدقة ورؤية ثاقبة ،وساعدتها دراستها الثانوية في مدرسة الارسالية الإنجليزية في اجادتها للغة ثانية،ولعل ماساهم في عشقها المبكر لهدفها تنقلها الخارجي مع والدها وهي طالبة ،وخلال رحلاتها الخارجية معه توسعت مداركها وازدات تعلقا بحلمها وذلك لأنها كانت تنظر الي المضيفات الجويات باعجاب وتقدير وتتمني ان يأت يوم وينتهي بها حلمها مضيفة مثلهن تحلق في الأجواء.
وعقب نجاحها في الشهادة السودانية ظلت امنيتها حبيسة دواخلها تنتظر الفرصة لتجسيدها علي أرض الواقع وتطلق العنان لها ولم تجد في البدء غير الالتحاق بجامعة الأحفاد طالبة في كلية علم النفس ،وبعد إنتظار لم يدم طويلاً فقد جاء حظها باسم الثغر ملوحا بالأماني وذلك حينما اخبرتها إبنة خالتها المضيفة بسودانير عن حوجة الشركة الي مضيفات جويات وكان ذلك في عقد السبعينيات من القرن الماضي ،فهرولت نحو والدها وهي تهتف “وجدتها وجدتها” بيد أن والدها تمنع ورفض في بادئ الأمر ولكن ظلت تتمسك باهداب الأمل طوال شهرين الي أن وافق علي تحقيقها لحلمها ،فكان أن تقدمت ضمن ألف شاب وشابة للوظائف المطروحة وقتها حيث تم استيعاب 150 منهم في المرحلة الأولى وتمت تصفيتهم الي أحد عشر وكانت أحلام إبنة أمدرمان من ضمنهم ليتم اخضاعهم لكورس في الضيافة الجوية وفي نهاية المطاف تم إختيار أربعة فقط ومجددا كانت الفتاة الممتلئة حماس والمتميزة اكاديميا من ضمنهم.
لتبدأ الشابة أحلام في تحويل أحلامها علي أرض الواقع وهي تدشن رحلتها مع الضيافة الجوية الي أن وصلت بعد أربعة سنوات الي مشرفة جوية وهو منصب وصلت إليه في فترة زمنية تعد قصيرة ماكان لها لتعبرها لولا تميزها ،واستمرت تجوب دول العالم مع الناقل الوطني الذي كان وقتها مصدر فخر لكل مواطن سوداني وكانت تسجل في الشهر 25 رحلة مع كبار الكباتن الافذاذ ابرزهم زمراوي ،شيخ الدين محمد عبدالله،الجزولي وغيرهم من اساطين سودانير الذين تميز بعضهم علي الأمريكان حينما ذهبوا للمشاركة في دورة تدريبية بالولايات المتحدة الامريكية ،لتحظي أحلام بدورة تدريبية للضيافة الجوية في ايرلندا وكانت ضمن أول اطقم ضيافة جوية يحصل علي الرخصة العالمية وقتها ،لتزداد نضجا وخبرة وتميزا وتتحول الي إحدي أفضل المضيفات في سودانير.
وفي خضم نجاحاتها كان عليها بعد سنوات حافلة بالاشراقات الهبوط اضطراريا للزواج ولم تجد أمامها غير مرافقة زوجها الي إحدى دول الخليج، وبعد أن وضعت إبنها الأول ساقها الحنين الي أجواء الطيران وبعد عام ونصف عادت الي العمل في مهنتها المحببه وظلت هكذا الي ان وضعت طفلها الثالث، وفي عقد الثمانينات إنتهت رحلتها مع سودانير لتعمل مضيفة ومدير ضيافة جوية في عدد من شركات الطيران السودانية أبرزها الفدرالية التي قضت فيها خمسة أعوام وكانت الشركة تمتلك عدد من الطائرات الروسية ووقتها كانت تنافس سودانير في الرحلات الداخلية وتعد محطة الفدرالية هي التي شكلت نقطة تحول في مشوارها المهني حيث تعرفت أكثر علي مجال الطيران حيث تم تكليفها قبل الطيران المدني للاشراف علي إمتحانات الضيافة الجوية بالإضافة الي أنها كانت أستاذة في كلية علوم الطيران.
وبعد الفدرالية التحقت بساريا ثم ترانس اتكو ،اير اكسبريس،كوب تريت،وخلال هذه الفترة الحافلة بالنجاحات كانت أحلام تمارس الإدارة والضيافة والتدريس في وقت واحد حيث لم تنقطع علاقتها مع التحليق ،وكان يفترض أن تشهد مسيرتها تغيير كامل حينما تم ترشيحها من قبل الطيران المدني للعمل مضيفة بالخطوط الجوية القطرية التي كانت في بداية تأسيسها وحضر الي الخرطوم السوداني عوض شريف الذي كان مصرا علي تعيين سودانيين وسودانيات في الشركة الخليجية فكان أن اجتازت أحلام المعاينات والامتحانات غير أن الرياح جرت علي عكس ماتشتهي فقد وقف البعض في طريقها فكان أن فضلت الاستقرار في السودان لتمضي مسيرتها من نجاح الي آخر حتي باتت مصدر ثقة لشركات الطيران التي كانت تسند إليها مهمة تقييم الضيافة الجوية وأخر رحلات طيران لها كانت مع شركة مارسيلاند الي مصر وذلك لتقييم أطقم الضيافة.
بعد ذلك أسست قسم الضيافة بأكاديمية الخرطوم ثم إنتقلت الي اكاديمية إنترناشيونال التي تتولي فيها حتي الآن منصب مدير قسم الضيافة الجوية وقد تخرج علي يديها الكثير من الطلاب والطالبات، وتفتخر المرأة التي تحمل لقب ماما أحلام بان تلاميذها ينتشرون في خطوط طيران عالمية مثل فلاي ناس ،القطرية ،الإتحاد ،الاماراتية وغيرها بالإضافة الي شركات الطيران الوطنية ودائماً فان أحلام التي اطلق عليها طلابها لقب ماما من فرط حبهم لها في تحد مع نفسها لتقديم المزيد من الجهود دون كلل او ملل.
ماما أحلام التي قضت خمسة عقود في مجال الطيران ورغم أنها باتت جدة لعدد من الأحفاد إلا أنها “ماشاء الله” ماتزال تتمتع بذلك الشغف والعشق الذي كانت عليه وهي شابة يافعة ،في بدايات مشوارها مع الطيران، وكما كانت تدعو والدتها عليها الرحمة لأبنائها بان “يحبب خلق الله فيهم” فان ماما أحلام ظلت تحصد حب طلابها ومن زاملها وذلك من واقع دماثة أخلاقها واجتهادها وحرصها علي نقل خبراتها للأجيال الناشئة التي عاصرت عدد كبير منها وتركت بصمتها واضحه عليها تميزا واجادة، ومثلما أعطت بتجرد فإن إحتفال تكريمها سيكون مهرجان لممارسة قيمة الوفاء لرد الجميل إليها لتواصل مسيرتها الناجحة، وفي اليوم العالمي للضيافة نبعث بالتحايا الي أم الضيافة بالسودان ونتمني لها الصحة والعافية.

ahmed

Recent Posts

أجتماع العطا وكباشي مع إدريس حسم أزمة الحركات

انتهى اجتماع عُقد بين رئيس الوزراء د. كامل إدريس  وعضوي مجلس السيادة الانتقالي مجلس السيادة…

52 دقيقة ago

السعودية تدعو طرفي النزاع بالسودان على استئناف المفاوضات في جدة

شارك نائب وزير الخارجية السعودي المهندس وليد بن عبدالكريم الخريجي، في الاجتماع الرابع للمجموعة الاستشارية…

57 دقيقة ago

ألف مبروك النجاح أحمد خالد عبدالله ودخول الثانوي في كندا

رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير صحيفة " أمدر تايمز " الاستاذ اسامة صالح والمدير العام…

ساعة واحدة ago

قرار يقضي بوقف اصدار شهادات البحث الخاصة بالأراضي الزراعية في ولاية الخرطوم

أصدر والي الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، توجيهات عاجلة تقضي بإيقاف إصدار شهادات البحث الخاصة بالأراضي…

ساعة واحدة ago

اجتماع بروكسل يؤكد ضرورة التحرك لوقف الحرب في السودان

اتفقت الأطراف المشاركة في الاجتماع التشاوري الرابع لتعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام بشأن السودان، الذي…

ساعة واحدة ago

تعيين ” النور عجبنا” نائب محافظ لبنك السودان المركزي

أفادت وسائل اعلام محلية، عن صدور قرار سيادي بتعيين الأستاذ النور عجبنا عز العرب نائبًا…

ساعة واحدة ago