Categories: الأعمدة

عودة الجدل الدستوري: هل تجاوز ترامب صلاحياته في ضرب المواقع النووية الإيرانية؟”

بقلم المستشار معاوية أبوالريش
في مساء السبت 21 يونيو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تنفيذ ضربات جوية أمريكية مباشرة ضد ثلاثة مواقع نووية إيرانية: فوردو وناتانز وإصفهان. هذا الإعلان لم يثر فقط تساؤلات حول التبعات الجيوسياسية للعملية، بل أعاد إلى الواجهة جدلاً دستورياً عميقاً حول حدود السلطة التنفيذية الأمريكية في شن الحروب دون إذن مسبق من الكونغرس.
” السياق التاريخي والقانوني”
الإطار الدستوري الأمريكي: ينص الدستور الأمريكي في المادة الأولى، القسم الثامن على أن الكونغرس وحده يملك سلطة “إعلان الحرب”، بينما تنص المادة الثانية، القسم الثاني على أن الرئيس هو “القائد الأعلى للجيش والبحرية”. هذا التقسيم للسلطات خلق توتراً دستورياً مستمراً منذ تأسيس الجمهورية الأمريكية.
آخر مرة أعلن فيها الكونغرس الحرب رسمياً كانت في يونيو 1942 ضد بلغاريا وهنغاريا ورومانيا خلال الحرب العالمية الثانية. منذ ذلك الحين، خاضت الولايات المتحدة حروباً في كوريا وفيتنام والخليج وأفغانستان والعراق دون إعلان رسمي للحرب من الكونغرس.
” قانون صلاحيات الحرب لعام 1973″
بعد الحرب الفيتنامية، أقر الكونغرس قانون صلاحيات الحرب لعام 1973 (War Powers Resolution) رغم اعتراض الرئيس ريتشارد نيكسون. ينص هذا القانون على أن الرئيس يجب أن: يستشير الكونغرس قبل إدخال القوات الأمريكية في أعمال عدائية ، يُبلغ الكونغرس خلال 48 ساعة من بدء العمليات العسكرية، ينهي العمليات العسكرية خلال 60-90 يوماً إذا لم يأذن الكونغرس باستمرارها
“تحليل الوضع الحالي”
طبيعة العملية العسكرية: استخدمت الولايات المتحدة في عمليتها ضد إيران: قاذفات B-2 الشبحية لضرب منشأة فوردو المحصنة تحت الأرض،
30 صاروخ توماهوك أُطلقت من غواصات بحرية أمريكية ،استهداف ثلاثة مواقع نووية إستراتيجية.
أعلن ترامب أن “المواقع النووية الرئيسية لإيران قد دُمرت كلياً وتماماً”، مما يشير إلى عملية واسعة النطاق تتجاوز مجرد “ضربة محدودة”.
” الجدل الدستوري المتجدد”
المعارضة التشريعية: واجه قرار ترامب معارضة من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين ، النائب وارن ديفيدسون (جمهوري-أوهايو): “من الصعب تصور مبرر دستوري” ،النائبة مارجوري تايلور غرين: “هذه ليست معركتنا” ، من الحزب الديمقراطي: النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز: “انتهاك جسيم للدستور… أساس واضح للمساءلة” ،النائب جيم هايمز: “انتهاك واضح للدستور” ، زعيم الأقلية هاكيم جيفريز: “فشل ترامب في طلب التفويض الكونغرسي”
” الدعم التشريعي” في المقابل، أيد قادة الحزب الجمهوري القرار: رئيس مجلس النواب مايك جونسون: “الرئيس يحترم تماماً سلطة المادة الأولى للكونغرس” ، السناتور ليندسي غراهام: “القرار الصحيح” ، السناتور جون كورنين: “قرار شجاع وصحيح”
“التحليل القانوني”
الحجج المؤيدة لصلاحية ترامب:
سلطة المادة الثانية: يحتج المدافعون عن العملية بأن المادة الثانية من الدستور تمنح الرئيس سلطة استخدام القوة العسكرية “لحماية المصالح الوطنية المهمة” دون الحاجة لإذن كونغرسي مسبق.
” سوابق تاريخية” استخدم الرؤساء السابقون، بما في ذلك بايدن، نفس الحجج الدستورية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد جماعات مدعومة إيرانياً في العراق وسوريا واليمن والبحر الأحمر. تفسير “الحرب الدستورية”
يجادل مكتب المستشار القانوني بأن تحديد ما إذا كانت العملية تشكل “حرباً” يتطلب “تقييماً محدداً للطبيعة والنطاق والمدة المتوقعة للعمليات العسكرية”.
” الحجج المعارضة للعملية” انتهاك واضح للدستور: ينص الدستور صراحة على أن الكونغرس وحده يملك سلطة إعلان الحرب كسلطة محددة في المادة الأولى، القسم الثامن.
تجاوز حدود الدفاع عن النفس: يحتج الخبراء بأن ضرب دولة قومية كبيرة مثل إيران يتجاوز بوضوح حدود “الدفاع عن النفس” ويدخل في نطاق “الحرب الدستورية”.
غياب التهديد الوشيك: لا توجد أدلة على تهديد وشيك مباشر ضد الولايات المتحدة يبرر العمل العسكري الفوري دون إذن كونغرسي.
المبادرات التشريعية: “قرارات صلاحيات الحرب المقترحة ”
قدم أعضاء من كلا الحزبين قرارات لتقييد قدرة ترامب على التصعيد العسكري: قرار السناتور تيم كاين (ديمقراطي-فيرجينيا): يتطلب إذناً صريحاً من الكونغرس لأي أعمال عدائية ضد إيران ،قرار النائبين ماسي وخانا: يؤكد على ضرورة موافقة الكونغرس قبل إشراك القوات الأمريكية في عمل عسكري ضد إيران
قانون “لا حرب ضد إيران” للسناتور ساندرز : يسعى لحظر استخدام الأموال للقوة العسكرية ضد إيران
” التداعيات الدستورية والسياسية”
ضعف الرقابة الكونغرسية: على مدى العقدين الماضيين، تنازل الكونغرس أكثر فأكثر عن دوره في الرقابة على استخدام القوة العسكرية من قبل رؤساء من كلا الحزبين. هذا التراجع في الرقابة التشريعية يثير تساؤلات جدية حول التوازن الدستوري للسلطات.
“السيطرة الجمهورية على الكونغرس”
مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، من غير المرجح أن يتخذ إجراءات فعالة لتقييد ترامب، مما يضعف آليات الرقابة التشريعية.
” سابقة خطيرة” قد تخلق هذه العملية سابقة خطيرة تسمح للرؤساء المستقبليين بتبرير عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد دول ذات سيادة دون إذن كونغرسي، مما يقوض الضوابط الدستورية على السلطة التنفيذية.
” القانون الدولي والشرعية” انتهاك القانون الدولي: يحتج العديد من خبراء القانون الدولي بأن الهجوم الأمريكي على إيران ينتهك القانون الدولي، حيث يحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة ضد دولة أخرى إلا في حالات الدفاع عن النفس أو الدفاع الجماعي عن النفس.
“ردود الفعل الدولية” وزارة خارجية تشيلي وصفت الضربات بأنها “غير قانونية بموجب القانون الدولي”، بينما دعت كولومبيا إلى “العودة العاجلة لطريق التفاوض”.
إن الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية تثير تساؤلات جوهرية حول حدود السلطة التنفيذية في النظام الدستوري الأمريكي. التحليل القانوني والدستوري يشير إلى أن ترامب تجاوز صلاحياته الدستورية بعدم طلب إذن مسبق من الكونغرس لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد دولة ذات سيادة، خاصة في غياب تهديد وشيك ومباشر ضد الولايات المتحدة.
هذه العملية تعكس تراجعاً مستمراً في دور الكونغرس كضابط دستوري على السلطة التنفيذية، حيث تنازل المشرعون تدريجياً عن مسؤولياتهم في الرقابة على القرارات العسكرية على مدى العقدين الماضيين. السيطرة الجمهورية على مجلسي الكونغرس تضعف من احتمالية اتخاذ إجراءات رقابية فعالة، مما يخل بتوازن السلطات المنصوص عليه في الدستور.
من الناحية القانونية الدولية، تفتقر العملية للشرعية القانونية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، حيث لا تندرج تحت بند الدفاع عن النفس أو الدفاع الجماعي، كما أنها لم تحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي. هذا الوضع يضع الولايات المتحدة في موقف قانوني معقد أمام المجتمع الدولي.
إن قرار ترامب بضرب المواقع النووية الإيرانية دون إذن كونغرسي يمثل اختباراً حقيقياً للنظام الدستوري الأمريكي وتوازن السلطات. فشل الكونغرس في التصدي لهذا التجاوز قد يعني تآكلاً خطيراً في الضوابط الديمقراطية على استخدام القوة العسكرية، مما يهدد أسس النظام الدستوري الأمريكي ذاته ويخلق سابقة خطيرة تسمح للرؤساء المستقبليين بالتصرف أحادياً في قرارات الحرب والسلم.

ahmed

Recent Posts

الميرغني: دفعنا بمقترحات جديدة لاطراف اجتماع بروكسل بشأن حل الأزمة السودانية

لندن / الخميس 26 / 06 / 2025 رحَّب رئيس الكتلة الديمقراطية نائب رئيس الحزب…

ساعة واحدة ago

مقتل عثمان عجيل جودة الله مسؤول الاستخبارات في الدعم السريع في اشتباكات الفولة

كشفت مصادر محلية عن وقوع اشتباكات قبلية بين المسيرية الفلايتة ومنتمين لأولاد سرور، بمدينة الفولة…

3 ساعات ago

لجان مقاومة الفاشر تبعث برساله للثنائي ” جبريل ومناوي ” المعركة الحقيقة فك الحصار وليس المناصب !

قالت لجان مقاومة الفاشر إن المعركة الحقيقية تتمثل في فك الحصار عن مدينة الفاشر وفتح…

4 ساعات ago

رونالدو يجدد عقده مع النصر السعودي حتى 2027

أعلن نادي النصر السعودي لكرة القدم، الخميس، تجديد عقد قائده الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو ليستمر…

5 ساعات ago

سيدي الحسن في كسلا .. زيارتو بي الاتنين ..ع. هلاوي ..

الخلوه .. علاقتي كانت بها يوما كانت ضعيفه .. اذكر ان امي الحقتني بها وانا…

5 ساعات ago