سلامٌ على من أحب السودان بلا مقابل، ورحل عنه وفي قلبه ودٌّ لا يذبل وحسرة بائنة لما آل اليه الحال : وداعا علي سعيد

عثمان فضل الله
لم نلتقِ كثيرًا، ربما مرتين أو ثلاث، لكن أثره كان أعمق من عدد اللقاءات. عرفني عليه الزميل الطاهر المعتصم، وأول ما شدني إليه حديثه العميق عن السودان. لم يكن مجرد صحفي مهتم بشؤون الجوار، بل بدا كما لو كان يعيش بيننا، يعرف تفاصيل التفاصيل، يناقشك نقاش العارف، ويزيدك – أنت السوداني – معرفة ببلدك.
آخر لقاء جمعنا كان في ندوة أقامتها مجموعة أفريقيا نهاية مايو الماضي، بدار التحالف الشعبي الاشتراكي وكان كعادته حاضر الذهن، دافئ العبارة، متقد الفكرة. سبق ذلك لقاءات أخرى في دار نقابة الصحافيين المصريين، وفي أروقة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي أكثر من جلسة كانت مليئة بالحوار الثر.
ما ميز علي سعيد ليس فقط سعة اطلاعه أو احترافيته العالية، بل تلك الروح النادرة التي ترى في السودان أكثر من مجرد موضوع صحفي. كان يفهم السياق السياسي والاجتماعي والثقافي وكأنه يعيش في قلب الخرطوم، يعرف اللاعبين، يتحرك بين النصوص والخلفيات، ويبحث عن المعنى لا العنوان.
لم يكن يحدّثك كخبير، بل كصديق يعرض عليك زوايا جديدة، ويجعلك تراجع ما كنت تظنه يقينًا. سألني مرة عن خلافات التيارات المدنية في السودان، ثم راح يستعيد وقائع من التسعينيات، ويقارن بين من انقلبوا على أحلامهم ومن ما زالوا يقاومون… كان يحلل وكأن هذه البلاد كتبت على جبينه يومًا.
فُجعت اليوم بنبأ وفاته. رحل علي سعيد، تاركًا وراءه أثرًا نادرًا في وجدان كل من عرفه أو تحاور معه. نعزي من القلب الأستاذة مروة كامل، والعزيز خالد محمود، وكل أصدقائه ورفاقه في القاهرة والسويس. ونعزي نحن – أبناء السودان – أنفسنا، لأننا فقدنا صوتًا محبًا، محترمًا، ومخلصًا، جعل من قضاينا همّه الأول، وسخّر أدواته الصحفية لتكون جسرًا للتفاهم لا ساحةً للضجيج.
لم يكن بحاجة لأن يكون من السودان ليكون أحد المدافعين عن قضيته. يكفي أنه كان يستمع بصدق، ويناقش بحب، ويكتب بأمانة.
سلامٌ على من أحب السودان بلا مقابل، ورحل عنه وفي قلبه ودٌّ لا يذبل وحسرة بائنة لما آل اليه الحال
ولاحول ولاقوة الا بالله
وانا لله وانا اليه راجعون