Categories: الأعمدة

من غير المنطقي ان يكون المخلل الفاسد هو الوجبة الرئيسية ومدى الحياة لشعب السودان فهلا من تغير فهم الغذاء

مثال:صناديق الاقتراع في السودان ليست بالتزوير والجخ العددي بل بالبرامج الفعلية الجاذبة للفلوتر قبل المتحزبين.

✍️ المستشار/مهيد شبارقة
فالفوز الانتخابي في السودان لم يكن يوما سباقا للعدد وحده بقدر ما كان معركة الوعي والثقة وسط الأغلبية الصامتة فمن يملك الشارع ومن يملك الصندوق..؟؟
لن يملك الديمومة ان فشل في المشروع..!!
ففي كل محطة انتخابية سودانية منذ الاستقلال وحتى تجارب الديمقراطية الثالثة ظل السؤال الأزلي يفرض نفسه:
من يحسم المعركة..؟
هل هم المتحزبون الذين يحشدون ويخطبون أم /الفلوتر وهم الكتلة العريضة من غير المتحزبين الذين لا يحسب لهم حساب إلا في اللحظة الأخيرة…؟
وقد درجت القوى السياسية السودانية عامة على التعامل مع الانتخابات كـموسم سياسي يتم الاستعداد له باللافتات والتزوير الناعم والجخ العددي (الحشد الكمي) دون أن تبذل جهداً حقيقيا في مخاطبة الناس بالبرامج والرؤى الواقعية.
#اولا: التزوير: عكاز العاجز لاعصا الحكم الرشيد:
فلم يكن التزوير في السودان حديثاً بل هو سلوك سياسي متجذر في كل الأنظمة العسكرية والانقلابية التي حكمت البلاد من تزوير الانتخابات في عهد /جعفر نميري و إلى مسرحيات الاقتراع في عهد الإنقاذ حيث كانت الصناديق تعبأ وتملأ قبل أن تفتح…!!لكن المشكلة الأكبر ليست فقط في التزوير الفني بل في الاحتيال السياسي على وعي الناس وتضليلهم بخطابات زائفة وشعارات جوفاء والأدهى أن بعض القوى التي تدعي الديمقراطية تورطت وإن بدرجات متفاوتة في سلوكيات انتخابية غير نزيهة أو على الأقل لم تبذل جهداً في تقديم بدائل حقيقية مما ساهم في نفور الناخب السوداني من العملية برمتها..!!
#ثانيا: الفلوتر الكتلة الحرجة المنسية:
يشكّل الفلوتر (أي غير المنتمين للأحزاب أو من يحسمون أمرهم في اللحظات الأخيرة) الكتلة الأكبر في أي انتخابات حقيقية وفي السودان هؤلاء غالبا ما يكونون من الطبقة المتوسطة الشباب النساء المتعلمين غير المسيّسين أو حتى البسطاء الذين لا يهتمون بالسياسة إلا عندما تمسهم مباشرة ولم تطوّر القوى السياسية السودانية بما فيها الأحزاب التقليدية الهرمة والحديثة أدوات فعالة للتواصل مع هذه الكتلة فتارة تهمّش وتارة تستهدف بخطاب عاطفي وتارة تستخدم فقط كمجرد حطب لحرب الاصطفافات..!!
#ثالثا: البرامج الواقعية: مفتاح الصندوق وليس عدد المهرولين نحوه:
فالانتخابات ليست ساحة عد عددي بقدر ما هي معركة إقناع فالصندوق لا يُكسب شرعية بفتحه بل بالمحتوى الذي يوصل إليه الناخبون وهنا يبرز غياب البرامج السياسية الحقيقية كأكبر أزمة في المشهد السياسي السوداني فهل سمعنا يوما عن حزب سياسي في السودان لديه برنامج مكتمل لتنمية التعليم الأساسي في الريف..؟ أو خطة متكاملة لخفض التضخم..؟ أو رؤية واضحة لحل أزمة الهوية..؟ فالواقع أن معظم الحملات الانتخابية في السودان تبنى على الخطابة والرمزية والتاريخ والانتماء الطائفي أو الجهوي بينما تظل القضايا الحقيقية للمواطن مثل /المعيشة /التعليم/ الصحة/والبنية التحتية مغيّبة أو مذكورة على استحياء..!!
فالديمقراطية ياسادتي لا تبنى بالحشود بل بالتفاعل المسؤول فالجخ العددي الذي تمارسه بعض القوى السياسية لإيهام الناس بأن لديها قاعدة عريضة هو في حقيقته استعراض هش لا يعكس الواقع فالصوت الانتخابي لا يقاس بمن يهتف في الساحة بل بمن يذهب للصندوق وهو مقتنع مطمئن وواعي بخياراته فقد مل السودانيون من الخطابات الرنانة وهم اليوم أكثر إدراكا أن التغيير لايأتي بمن يملكون أصواتا فقط بل بمن يملكون الرؤية والبرنامج والمصداقية.
#رابعا: شهادة من داخل المشهد
#رابعا: مقارنات دولية حول جذب الفلوتر بالبرامج لا بالخطابات:
فمن أرشيف صناديق السودان دروس من 1986 و2010
فانتخابات 1986: ديمقراطية ناقصة وبرامج غائبة فكانت انتخابات 1986 هي أول انتخابات حرة بعد سقوط نظام نميري وشكّلت اختبارا حقيقيا للقوى السياسية آنذاك وقد فاز حزب الأمة بالأغلبية وتلاه الحزب الاتحادي الديمقراطي ثم الجبهة الإسلامية القومية لكن على الرغم من نزاهتها النسبية إلا أن أغلب الحملات اعتمدت على الإرث الطائفي والرمزي أكثر من البرامج التنموية فكان خطاب الأحزاب تقليديا يدور حول الهوية والانتماء دون تقديم خطط حقيقية لإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والفلوتر حينها خاصة من الشباب والطبقة الوسطى ظلوا في حالة تردد أو قطيعة ما انعكس على ضعف نسب المشاركة في بعض المناطق.
#خامسا: انتخابات 2010 حيث الشرعية بالتهديد لا بالإقناع:
فانتخابات 2010 التي جرت تحت حكم المخلوع كانت محملة بأجندة النظام الفاسد لا أجندة المواطن فقد استخدم الحزب الحاكم حينها أجهزة الدولة ومواردها وحتى الخطاب الديني لإيهام الناس بأن الاقتراع من طاعة ولي الامر لا اختيار حر…!!
واهدنا كيف انقسم أعضاء الحزب لمستقلين واعضاء رسمين ليملؤا فراغات الشرعية وكيف كان بيع الانتخابات والتنازلات عبر مساومات فيما بينهم وبرغم مشاركة بعض الأحزاب فإن البرامج كانت شكلية باهته وتحوّلت الانتخابات إلى ما يشبه الاستفتاء القسري على بقاء النظام مما أفقد صناديق الاقتراع مصداقيتها تمامًا خاصة عند الفلوتر الذين قرر أغلبهم المقاطعة أو التصويت الأبيض (المبطل).

سادسا: مقارنات دولية: هكذا اجتذبت البرامج الانتخابية الفلوتر لا الولاءات
#فتونس انتخابات 2014: برنامج النهضة مقابل الواقع المعيشي
رغم أن حركة النهضة التونسية كانت تمتلك قاعدة إسلامية واسعة فإنها حين قدمت برنامجا متماسكًا يرتكز على تشغيل الشباب وتحقيق التوازن بين الهوية والدولة المدنية استطاعت استعادة ثقة الفلوتر بعد ترددهم الكبير
واللافت أن المنافسة حينها لم تحسم بعدد الإسلاميين أو العلمانيين بل بمن قدم خطة مقنعة للشعب.
#والهند حملة مودي 2014: مخاطبة المواطن بلغة جيبه لاطائفته
في انتخابات 2014 استطاع ناريندرا مودي حسم المعركة الانتخابية لصالحه رغم أنه لم يكن مرشح النخبة والسبب؟ برنامجه الاقتصادي الشعبوي الذي قدم وعودا دقيقة بتحسين البنية التحتية وتوفير الوظائف فأقبلت عليه الفئات المترددة (الفلوتر) من الريف والمدن لا لأنه هندوسي بل لأنه كان واقعيا.
#وفرنسا ماكرون 2017: كسب الغاضبين ببرنامج ثالث حيث استطاع إيمانويل ماكرون اجتذاب كتلة ضخمة من الفلوتر الفرنسيين عبر تقديمه لما سماه /الخيار الثالث بين اليمين المتطرف واليسار التقليدي فلم يعتمد على صخب شعارات الثورة ولا على تاريخه الشخصي بل على خطة اقتصادية اجتماعية حملت عنوان: (الفرصة للجميع)
#فالصندوق يربح بالثقة لا بالسيطرة والصندوق في السودان لا يحتاج من يملأه حشدًا بل من يمله ثقة من يخاطب الغالبية الصامتة لا بمنطق التجييش والتهديد بل بمنطق الجدوى والبرامج
ولعل أهم دروس التجارب السودانية والعالمية هو أن الفلوتر الذين يستهان بهم هم من يحسمون النتيجة إن خوطبوا بعقل واحترام
#خاتمة: الصندوق ليس نهاية المعركة بل بدايتها
فالانتخابات القادمة في السودان من بعد توقف الحرب العبثية متى ما توفرت بيئة آمنة ونزيهة يجب أن تكون معركة برامج لا معركة منابر و يجب أن يخاطب الفاعلون السياسيون عقل المواطن لا عاطفته ومصالحه لا ولاءه وحياته اليومية لا تاريخه القبلي وإن لم تدرك القوى السياسية هذه الحقيقة فستظل صناديق الاقتراع أداة شكلية بلا محتوى تحاول إضفاء شرعية على واقع سياسي مشوّه عبر تزوير أو /جخ عددي بدل من أن تكون /مرآة حقيقية لوعي الناس

ahmed

Recent Posts

قائد إستخبارات الفرقة (19) مشاة مروي يطمئن بهدؤ الأحوال الأمنية ويدعو لعدم الإنسياق وراء الشائعات المضللةَ

  مروي إعلام المحلية.رصد الحسن عبدالمهيمن طمأن قائد شعبة* إستخبارات الفرقة (19) مشاة مروي العقيد…

18 دقيقة ago

تقدمت الإعلامية *مروة عيد*، مقدمة البرامج المعروفة وصاحبة البصمة الإعلامية المتميزة، بأصدق التهاني والتبريكات إلى…

21 دقيقة ago

يدفعها الخليجيون … سي إن إن”: ترامب يدرس تعويض إيران ببرنامج نووي سلمي في فوردو بـ30 مليار دولار

ذكرت شبكة "سي إن إن"، مساء اليوم الخميس، أن الولايات المتحدة تدرس استبدال موقع فوردو…

26 دقيقة ago

الميرغني: دفعنا بمقترحات جديدة لاطراف اجتماع بروكسل بشأن حل الأزمة السودانية

لندن / الخميس 26 / 06 / 2025 رحَّب رئيس الكتلة الديمقراطية نائب رئيس الحزب…

ساعتين ago

مقتل عثمان عجيل جودة الله مسؤول الاستخبارات في الدعم السريع في اشتباكات الفولة

كشفت مصادر محلية عن وقوع اشتباكات قبلية بين المسيرية الفلايتة ومنتمين لأولاد سرور، بمدينة الفولة…

4 ساعات ago