لن ينهض الوطن إلا بتعافي الإنسان

تواجه حكومة الدكتور كامل إدريس مهامًا جسيمة وتحديات معقدة، خاصة في الجوانب الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، وهي ترث وضعًا بالغ الصعوبة خلفته الحرب التي تعيشها البلاد منذ أبريل 2023، وما تزال آثارها السلبية تتكشف يومًا بعد يوم، كاشفة عن الوجه القبيح لبعض أفراد المجتمع، من عنصرية بغيضة، وحقد، وحسد، بل والأخطر من ذلك كله: ظاهرة النهب والسرقة العلنية لممتلكات الناس، بلا وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.

هذه المشاهد الدخيلة على المجتمع السوداني، المعروف تاريخيًا بالأمانة والشهامة والنبل، وفق شهادة الجيران والمحيط الإقليمي، تؤكد أن ما يحدث اليوم لم يكن وليد اللحظة، بل كان مستترًا تحت سطح المجتمع لسنوات طويلة، ولم تنتبه إليه الحكومات المتعاقبة حتى انفجر على هذا النحو الصادم. وقد تحول إلى وباء مجتمعي خطير يستوجب معالجته قبل الشروع في عمليات إعادة الإعمار، إذ إن بناء النفوس وتهذيب السلوك وغرس القيم الوطنية هو حجر الأساس في نهضة الشعوب واستفاقة الأوطان.

من هنا، تبرز مسؤولية النخب المتخصصة في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون والدعوة والإعلام، لوضع استراتيجية وطنية شاملة، تقوم على التعبئة الواسعة والاجتهاد المتواصل لاستئصال هذه الأمراض المجتمعية. فالتعافي الأخلاقي والاجتماعي بات أكثر إلحاحًا وأهمية من تعمير المباني والمنشآت، لأنه الضمان الحقيقي لاستدامة السلام والأمن.

في ذات السياق، تقع مسؤولية كبرى على عاتق الحكومة، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن الوطني، في مكافحة الجريمة المسلحة، خاصة بعد ضبط كميات كبيرة من الأسلحة في مناطق عدة، ما يستدعي تحركًا عاجلًا ومنسقًا. ويُنتظر من رئيس الوزراء إعلان حملة وطنية شاملة لجمع السلاح، كإجراء استباقي يحول دون تفشي جرائم لا تُحمد عقباها، مع الاستفادة من تجارب الدول التي خرجت من أتون الحروب الأهلية، مثل رواندا وغيرها، والتي استطاعت أن تنجو بمجتمعاتها من براثن الانفلات والفوضى.

إن الواجب الوطني يفرض علينا جميعًا، حكومة وشعبًا ومؤسسات مجتمع مدني، أن نعي خطورة المرحلة، ونبدأ بمعالجة الجذور العميقة للمشكلة، لأن إعادة بناء الوطن تبدأ أولًا من إعادة بناء الإنسان.