تاريخ 19 ديسمبر بين احلام الامس و فجيعة اليوم !

الخميس التاسع عشر من ديسمبر 2024 يمر علينا حزينا دامع العيون وهو يرى السودان ينرف من كل اعطاف جسده الجريح.
لا طعم في الحلوق غير رائحة الدماء والذكرى التاسعة والستون لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان تمر على خطى كسيحة لتجد البلاد وقد تراجعت قرونا إلى الوراء و ابناء الوطن الواحد يتقاتلون وكل منهم يلتفت إلى طرف غريب يمده بسهام النار ليطلقها على هشيم الدولة التي لطالما حلمنا بان نكون فيها احرارا بانعتاقنا من ربقة الاستعمار الذي ذهب وترك لنا حجارة من معالم النماء ..ولكننا بدلا عن ان نرفع ونضيف عليها مداميك الغد ..ها نحن وقد فتتناها لنتقاذف بها وكل منا يدعى إنه الاطول باعا في ان تنتاش حجارته رؤوس الآخرين فقط لانهم لايشبهونه في وهم علو كعبه القبلي وطهارة منبته الجهوي !
فتباعد مفهوم الاستقلال في معناه الوطني ليتراجع به كل مكون متكورا في زاوية انطوائه على نفسه وتغيب في تباعد المسافات وإحن المكونات ملامح الرؤية الشمولية لتوحيد انسان البلاد استثمارا لتنوع اجناسه و ثراء مكنونات ارضه و عذوبة مياهه .
فطفق الأئمة السياسيون على مدى سني الاستقلال كل يصلى على قبلة يرى فيها كعبة صوابه الامثل ..,فاغرى ذلك غير مرة ماموم الشعب المفترض انه الجيش الوطني والذي اردناه ظهيرا لحماية عزتتنا الوطنية ..إلا انه ظل دوما يتلمظ لطعم إمامة الجماعة متى ما احس بان احد أئمة المراحل المختلفة قد أخطأ في قراءة الواقع فتجده فورا يستعجل في شده بعيدا عن سجادة المقدمة دون ان يكلف حكمته وبدون منطق صوت السلاح ليقول له سبحان الله لتصويب ذلك الخطا !
تماما كما فعل عسكر اليوم الذين تحالفوا مع الثورة الديسمبرية بتقيا النوايا المبطنة واختلفوا معها وعرقلوا خطواتها المتعثرة في وحل الإنقسامات السياسية .. فانقلبوا عليها ثم انشطروا فيما بينهم و انقضوا على ما تبقى من هيكل معبد الدولة المتهالك ليهدوه على رؤوس الجميع في حرب لا هدف لبدايتها المتهورة ولا يلوح في الافق حتى سراب نهايتها المتباعد حربا او سلما !
لتنتكي اليوم ذكرى تلك الثورة الموؤدة على حافة مدفنها المفتوح وهي طفلة في عمر السادسة في نفس يوم 19ديسمبر ذكرى الاستقلال المستلب لتجدنا نعيش هذا الخميس الحزين ونحن نبكي على لبن الحرية المسكوب في تراب الزمن ..ونتحسر على دما شباب الثورة الذي اهدره العسكر في رمال احلام الساسة المتحركة في اتجاه المجهول !