Categories: الأعمدة

حسن فضل المولى يكتب : حسين شندي … دفعتي ياشكر الله

IMG 8178

الفنان : حسين شندي .

و أنت في حَزَنٍ و رهَقٍ و كَبَد ،
يسوق الله من يلوِّحُ لك بالأماني ،
و يأخذك إلى مُغْتَسَلٍ باردٍ
و مُتكأ ظليل ..
في ( مُلتقى الفنون ) ، و الذي
يضم نُخبةً من الأصفياء ،
و بينهم ( حسين شندي ) ،
تداعى نفرٌ إلى الحديث معه حول ( محطات ) في مسيرته الغنائية ، فدعاني أخي ( شكرالله خلف الله )
إلى أن أكتب عنه ..
و أجدني أعجز ما أكون عندما
يُطلب مني أن أكتب ،
و لكن ( شكرالله ) إذ يُحسن الظن
بي ، فقد خاطب في نفسي نيةً مُبَيَّتةً
تُلِحُّ عليَّ في تتبُّعِ خُطى ( حسين ) ،
لما بيننا من أوجه التلاقي ،
و الصلات الطيبات ..
و ها أنذا أحاول ..
أُحاول لعلي أستطيع أن أُخْرِج
لكم من ( بحره ) ما يتيسر لي
من أصدافٍ و لآلئ ..
و بدءاً ..
و بدءاً تُكتب هكذا و ليس بدءً ..
و بدءاً ..
أنا هنا لست بصدد الحديث
عن ( مطرب ) ، و السلام ،
و لكني عندما أتناول طرفاً من
سيرته و عطائه فلأنَّ
( حسين علي محمد طه ) ،
سوداني صميم ..
في هيأته ،
و في كلامه ،
و في نهجِه ،
و في نوادره ،
وفي غنائه ،
إذ ظل يعبِّر عن سودانيته ( بغناءٍ )
يُجسِّد أشواق أهله و ألوان
حياتهم ..
و يتخير من الكلام أعذبه ،
و أوقعه في نفوسهم ،
و أقربه إلى طبعهم ،،
( عمَّت بشايرنا
و دام الفرح بينا
الدنيا ابتهجت و تجلى بدرينا
وين يابلابل الدوح الليلة
سامرينا
نَذْكُر أحبتنا و أوقات مسرتنا
و نطرب بلحن الحب و لذيذ
أغانينا
و نذكر محاسن أم در نهضت
أمانينا
و نحيي وادي النيل بعظيم
تهانينا ) ..
و يُحيلك إلى نشوةٍ طاغيةٍ
عندما يبلغ بكلام ( الجاغريو )
المُنتهى ،،
( و بلابل الأفراح
سجعت تنادينااااا
و سجعت
سجعت تناديناااااا
و بلابل الأفراااااح ) ..

وحسين من تلك الأنحاء العتيقة ،
من ( الدويمات ) ،
و ( الدويمات ) من نواحي ( شندي ) ،
و ( شندي ) و أنحاؤها بلادٌ رحيبة ،
ذات بهجةٍ و سؤددٍ و بطولات ..
و أهلها أرابيب ( الكلمة ) ،
إنهم يخلعون عليك من أصدق ( الكلام ) حُللاً و قلائد ،
و يلبسونك من أحسن ( الكلام )
أساور من محبة و إعزاز ،،
و ( يا حليل ربوع شندي
( بلد الجمال عندي
الفيها نَمَا فني
و من المتمة أمان ) ..
هذا ( عثمانُها بن الشفيع ) يُعلي
من شأن جمالها ..
و لا غرابة ،،
فشندي كانت مهداً و ظلت جاذبةً
و مُلهمةً لأصواتٍ ماسيِّة ،
من لدُن الفنان ( علي الأمين ) ..
و منها ارتقى ( علي إبراهيم اللحو ) ،،
( ما دام نسى العُشرة
و اختار سوانا حبيب
خلينا للأيام لو لي ضميرو
حسيب ) ..
و فيها وُلد ( الطيب عبدالله ) ،،
( يا أرض الحبيب
كم لي فيك غرام ) ..
و إليها وفَد ( محمد وردي )
مُنتسباً إلى ( معهد التربية لتأهيل
المعلمين ) ، و غنى لها ،،
( في شندي العظيمة تلقى
بنات جعل
و احدات في المتمة
زي لون العسل
النايرات خدودن زي فجراً أطل ) ..
و فيها قال ( عبدالله البشير ) ،
من ألحان و أداء ( كمال ترباس ) ،،
( طِريت شندي وربوع شندي
طريت ناساً عُزاز عندي
تلاقِيك بي أريحيه
وتقابلك بي قلب وُدِّي
تشيلك جوه في الأعماق
ونور عينيها ليك تَدي ) ..
و فيها ..
في هذه ( المراتع ) المُفعمة
بأشكال الغناء و ألوانه و طرائقه ،
تكوَّن ( حسين شندي ) ،
و اتخذ لنفسه منحىً لم تُشغله
عنه ( الدراسة ) ، و لا ( التدريس ) ،
و لا وعْثاء الحياة ..
و أصبح نفحة من نفحات ( شندي )
و أريجها ..
و دانت له أفئدة أهليها ،
و دنا منهم قَابَ أنفاسهم أو أدنى ،
و هو دُنوٌ جعله مصدر تباهي
و مناط تَعَلُقٍ ،
فلا يرون له نديداً ..
يُحكى أن فناناً شهيراً جهيراً ، جاء
إلى ( شندي ) و عندما صعد
( المسرح ) ، أطال العزف على العود فصاح فيه أحد الحضور :
( ياخ ما تسِيب الحركات دي و تغني ، إنت قايل نفسك “حسين شندي” ) ..
و أمثال هؤلاء لا تقوم لهم قائمة
إلا مع ( حسين ) ،،
و ( اللول اللول يا رباعة
ناري بتزيد كل ساعة ) ..
و ( ياقلبي السراري
الفيك كاتم أسراري
حبيبتك أبعدوها
و سكنوها البراري
متين العودة تاني
سمح الريد نساني
يا سمن الصفايِح
يا الفي الحلة فايح
مالِك يا الحِنينةما بتزوري الضرايح ) ..

لقد كان أول عهدي به و نحن
( زُمَّال ) في ( مدرسة الكتياب
الثانوية العامة بالحرة ) ، و التي
جاء إليها لأن ناظرها
( عقيل عبدالسلام ) ، رحمه
الله ، كان زميل شقيقه في
التدريس ..
و كان يومها وديعاً مألوفاً ،
مُولَعاً بمطاردة ( القُمْرِي ) ..
و ( القُمري ) أو ( القماري ) نوع
من الحمام ، مُطوَّق و حسن
الصوت عندما ( يقوقي ) ،
أي يرسل صوتاً يوقظ الحنين
و يلامس الوجدان ..
( القُمري قوقا و طار ) ،،
و قوقن يا قماري قوقن ) ،،
و ( ابني عشك يا قماري
قشة قشة
و علمينا كيف على الحب
دارنا يُنشا ) ..
و مرة اكتشفنا عذوبة صوته ،
و أنه يجيد ( القوقَي) فأصبح
مسك ختام عامنا الدراسي ،
لننصرف إلى أهلينا و نفوسنا
ثَمِلة بما أسْمَعَنا من كلمات
( عتيق ) و ألحان ( عبدالرحمن الريح ) ،،
( في رونق الصبح البديع
قوم ياحمام أسمعني ألحان الربيع ) ،،
و ( الليل الليل ياجمال الليل ) ..
و كنت واحداً من ( الشيالين ) ،
إلا أنه كان يعيِّرني بأن ( صفقتي )
مُشاترة ..

و تفرقت بنا السبل ..
و في الأثناء غدا ( حسين ) مطرباً
تُضرب إليه أكباد ( الإبل ) ..
و كنت بحكم عملي كثيراً ما ألقاه ،
و أسعى إليه مرة بعد مرة ،
و بعدها ..
جمعنا ( صلاح إدريس ) ..
و ( صلاح ) ..
كانت له ( حضرة ) جاذبة ..
أهل التجارة لا مكان لهم ،
و أهل الرياضة يجدون ما يلذ لهم ،
و سدنة و محبو فن الغناء لهم
القدح المُعلى ..
و في هذا الملتقى الأنيس ،
كان ( حسين ) يضوع ، و يُبهج ،
و ينثُر أعذب ألحان ( صلاح ) ،
لشعراء رائعين مُجِيدِين ..
( صلاح حاج سعيد ) ،،
( يا جميل ياراقي إحساسك
يريِّح قلبي إيناسك
عليك الحب تخليهو
مريدك و يبقا من ناسك )
و ( شمس الدين حسن خليفة ) ،،
( ضحكتك
ياسلام من ضحكتك
فرحة شايلاها القلوب الحبتك
ليلنا ما بطلع نهارو إلا نسمع
ضحكتك ) ..
و ( محمد محمد خير ) ،،
( قَطَّرتَ ليك الشوق لبن
قدمت ليك الليل هديه
لكني يا الطير الرحلت
كان زماني معاك شويه ) ..
و ( أحمد محمد إدريس الأرباب ) ،،
( الماكلَّ مل و ما قال انحمل
يا ولدي
خيرو فاض هَمَل ) ..
و ( محمد عبدالله برقاوي ) ،،
( رويحتك في الأماسي تحوم
تحلق فوق ربى الخرطوم ) ..

و ( حسين ) و هو يغني لك ..
يرافقك في كل مراحل حياتك ،
و يخاطبك موقظاً مشاعرك
في كل أحوالك ..
و هكذا ..
فأنت يافِعٌ يُغني لك بما يستهوي الهائمين اليافعين من كلمات
و ألحان ( سعدالله ضرار ) ،،
الليلة باكية مالك يا العيون
حبيتي زول حب خاتي قول
عشتي السنين حبك أمين
و آخر جزاك زولك نساك ) ..
و أنت راشدٌ يخاطبك من نظم
( عتيق ) بما يوقظ مشاعر
الراشدين ،،
( قضينا ليلة ساهرة
تضمنت محاسن
من كل روضة عينة
و من كل عينة زهرة ) ..
وأنت شيخٌ كهلٌ يسقيك من مَعين
( عبيد عبد الرحمن ) ،،
( حليل زمن الصبا الماضي
و حليل زهر الحياة الزاهر
حليل زمن الحبيب راضي
و حليل زمن الهوى الطاهر ) ..
و حين تعصف بك الأشواقُ وهْنَا
يُشجيك بلهفة المهندس
( علي محجوب ) ،،
( قطار الشوق متين ترحل تودينا
نشوف بلداً حُنان أهلها
ترسى هناك ترسينا ) ..
و يضاعف من مواجعك إذا افتقدت
حميماً ، و هو يشدو بمرثية
( أزهري محمد علي ) ،،
( البضوي الليل ) ،،
( في مشيهُ تقيل خاتي من خِفَّه
يا حليلو القام للبلد قَفَّا
الجرف عطشان و الزرع جفَّه
و البيوت حزنت و شالت الحَفَّه
غابت القمرا و الفريق خفَّ
يا حليلو القام للبلد قفَّا ) ..
و يغني للمكارم و المفاخر
من كلام ( زينب بت موسى )
فيُلهبك و يجعلك ( تنَقِّز ) و تهتز
و تُمَزّق ثيابَك ،
و توقن كل اليقين أن هذا
( السودان ) برجاله الذين لن تنال
منهم ( شياطين ) الإنس و الجن ..
( أنا ليهم بقول كلام
دخلوها و صقيرا حام ) ..
و ( بجر القول و الشكر
للباذل بابكر ) ..
و ( منايا ليك ما وقف
اتمنيت أنا تكبر تشيل بي ردف
مو لقاط طرف ) ..

و من ( دار فلاح )
فاح
و انداح
و تخيَّر من الغناء ما لا يحتاج إلى
شُرَّاح ..
فمن ( لحظك الجراح
أذايَّ فيه و فيه الطرب و الراح ) ،
مضى ،
يتنقل من هنا و إلى هناك ..
يأخذك صعوداً في مدارج السالكين ،
بمعية ( عوض جبريل ) ،،
( ود البجرد الألفية الليلة طاري
الجية
أب سيرة دوام محبوبة و الكلمتو
ما مقلوبة
ود أب سبحة لالوبة و نارو
للضيوف مشبوبة ) ..
و إلى مراقي و مرافىء ( عبدالعال السيد ) من ألحان ( كمال ترباس ) ،،
( كلما سألت عليك
يقولوا مشغولة
أيه الشاغلك عني
و ريني يازولة ) ..
و إلى ( عبدالله البشير جبريل ) ،
و هو يستسلم لقدره المكتوب ،،
( قلت أتوب من ريدك أتوب
لقيت الروح فيك بِدُوب
و المكتوب ما منو هروب ) ..
و إلى ضراعة و ابتهال ( أشرف الكاردينال ) من ألحان ( كوباني ) ،،
( سيب الزعل خلي الحُزن
اسمع معاي همس المُزن ) ..
و إلى لوعة و تَحسُّر ( فتحي
الجعلي ) ،،
مرت سنة و عادت سنة
و أنا يا زمن زي ما أنا ) ..
و إلى ( مختار دفع الله ) ،،
( غني يابنية
فوق الولد الشكرو ما شوية )
و حِيرة ( صلاح الشفيع ) ،،
( أعمل أيه أنا يا أميرة !! ) ..
و إلى معالي ،
( التيجاني حاج موسى ) ،
و ( عزمي أحمد خليل ) ،
و ( حسن الزبير ) ..
و كثيرون ..

( حسين ) ود بلد
يفعل ما يفعله أولاد البلد ..
يغشى المجالس مستأنِساً و مؤانِساً ..
و يأتي الأفراح مهنئاً و مشاركاً ..
و يُشاطر الأحزان ..
لعب لمريخ ( الدويمات ) ،
و هو يشجع الهلال ..
و يرى أن ( عزالدين الدحيش ) ،
من أفضل اللاعبين ..
و يتمنى أن لو ( كان جمال الوالي )
هلالابياً ..
و يطربه الذري ( إبراهيم عوض ) ،،
و يتمنى أن لو غنى ( عزيز دنياي ) ..
و بشوش ..
عندما يُقبل عليك ،
يُمازحُك و يبادرك بمُلْحةٍ ظريفة ..
التقينا قبل أيام في مناسبة سعيدة ،
ذَكَّرْتُهُ و ذكَّرَني ،
قال لي مُقهْقِهاً :
( يا حليلنا ياحسن مُلاح وَرَق
و انْفَرَك ) ..
و مرة داعبه الرئيس ( البشير ) ،،
( تعال ياحسين إنت شندي دي
حقتك براك !! ) ،
فرد عليه مازحاً :
ياريس إنت شِلتَ الفيلم كلو
مستكتر علي شندي ) ..
من هذا المزيج الذي ذوبُهُ
جمال الروح ،
و نداوة الصوت ،
و رقة الإحساس ،
و نبل المشاعر ،
تمشَّى ( حسين ) و سَرَى في حياتنا
كما ( النسمة ) ..
و يا ( نسمة ) ..
( يانسمة صحيتي الورود
جاب لي شذاك عطر البلد
رغم المسافات و الحدود
الشوق عصف و الريد غلب
ياااااانسمة ) ..
و هي من نظم ( شمس الدين
حسن خليفة ) ،
و ألحان ( صلاح إدريس ) ..
أعاد الله ( نسايم ) الصفاء على
( السودان ) و نقَّاهُ من شرور
الأشرار كما يُنَقَّى الثوب من
الدنَس ،
و أعزَّ جُندنا و نصرهم ..
والسلام ..
حسن فضل المولى ..
٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ ..

osama

Recent Posts

مرتضى الغالي يكتب: تمزيق فاتورة العجائب..!

لا ترفعوا (حواجب الدهشة) .. فالأمور قي سيرها الطبيعي و(الأوضاع تحت السيطرة) في ظل دولة…

دقيقة واحدة ago

السعودية … ريشة فنان” تضيء ينبع التاريخية بألوان الإبداع في فعالية “الرسم المباشر”

متابعة : المغيره بكري "  أمدر تايمز نظّم نادي ريشة فنان، التابع لـ جمعية أندية…

9 دقائق ago

الحلم جنين الواقع — كريمه سلام مفسرة الاحلام

الحلم جنين الواقع ووليد المستقبل الجنين الشئ الغير معروف ولد ولا بنت حلو ولا وحش…

ساعتين ago

” هلاويات ” … محمد نجيب محمد علي ضد الإحباط – ع . هلاوي

كلمات .. أعجز عن وصفها .. وصلتني من صديقي القديم جدا .. الحديث جدا ..…

ساعتين ago

محكمة بريطانية تحكم بالسجن مدى الحياة على رجل حاول سرقة ساعة بقيمة 45 ألف جنية إسترليني من رجل شرطة متخفي

لندن : أم عبدالوهاب رجل يُدعى عبد الرحمن خلييف-علي (27 عامًا) من غرب لندن حاول…

ساعتين ago

مصر … تكريم الدكتورة عفاف طلبة بالمؤتمر العلمى الإفريقى بسفارة مالى

  متابعة : المغيره بكري " امدر تايمز " شاركت الدكتورة عفاف طلبة الأستاذ بالكونسرفتوار…

3 ساعات ago