رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأقتصاد

الأستاذة نوران الرجال تكتب .. سلسلة من الصراعات والتوترات التي غالبًا ما تقلل من أهمية البحر الاحمر

لطالما احتل البحر الأحمر مكانة بارزة كأحد أهم المسطحات المائية في العالم، ليس فقط بفضل موقعه الاستراتيجي وطرق التجارة التي يربطها، بل أيضًا بكنوزه البحرية وطبيعته الساحرة، إلا أن وراء أمواجه الزرقاء الهادئة، تخفي مياهه سلسلة من الصراعات والتوترات التي غالبا ما تهمّش أو تقلل أهميتها.
فعبر القرون، كان البحر الأحمر ساحة للتنافس بين القوى العظمى من الإمبراطورية العثمانية إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية، وانتقالاً إلى النزاعات الحديثة بين الدول المجاورة مثل مصر والسودان والمملكة العربية السعودية، ومع تطور الأوضاع، بات هذا البحر محورًا لصراعات جديدة تشمل قوى دولية وإقليمية تسعى لتعزيز نفوذها.
وترتبط هذه التوترات بشكل مباشر بمسائل السيطرة والطموح. فالاحتياطات الغنية بالموارد الطبيعية في المنطقة، مثل النفط والغاز، جعلت من البحر الأحمر هدفًا استراتيجيًا لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية. ومع التركيز العالمي المتزايد على قضايا الشرق الأوسط، تحوّل البحر الأحمر إلى مركز صراعات النفوذ والقوة بين الأطراف المختلفة، ومن أبرز التحديات التي تزيد من تفاقم الوضع هناك الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، التي بدأت عام 2014 بين الحوثيين والحكومة اليمنية، هذه الحرب لا تؤثر فقط على السكان المحليين والوضع الإنساني المزري في اليمن، بل تمتد تداعياتها أيضًا إلى أمان واستقرار البحر الأحمر، حيث أصبح ممرًا رئيسيًا لنقل الأسلحة والمقاتلين، مما يعقّد المشهد بشكل إضافي.
إلى جانب اليمن، تبرز نزاعات أخرى تهدد الاستقرار في المنطقة، من أبرزها الخلاف الممتد بين مصر والسودان حول ملكية مثلث حلايب وشلاتين، قضية متجددة تتأرجح بين التوتر والهدوء حسب التطورات السياسية.
وفوق ذلك، تتنامى المخاوف بشأن عسكرة البحر الأحمر، حيث أدى انتشار القواعد العسكرية الأجنبية، ومنها القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، إلى تعقيد الوضع الجيوسياسي. تنافس قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا على تعزيز وجودها ونفوذها في المنطقة حول البحر الأحمر زاد من حرارة المشهد ودفع بالمنطقة إلى صدارة القضايا الدولية الحساسة.
وسط هذه النزاعات المحتدمة، تأتي البيئة البحرية في هذا البحر كأحد الضحايا الصامتة. فالأنظمة البيئية الفريدة التي تزخر بها المياه تضم مجموعة واسعة من الأحياء البحرية التي تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب التلوث والصيد الجائر، كما أن الأنشطة البشرية الناتجة عن نقل الأسلحة وانتشار السفن العسكرية تضيف عبئًا إضافيًا يُهدد هذا النظام البيئي الحساس بالتدهور المستمر.
لذلك، ومع تصاعد الأحداث حول البحر الأحمر، تبرز الحاجة الملحّة لإيلاء الاهتمام الكافي لهذا المسطح المائي ليس فقط باعتباره ملتقى صراعات وتحديات جيوسياسية، بل كمصدر حيوي لرزق الشعوب الساحلية وأحد الدعائم التي تسهم في الحفاظ على توازن البيئة العالمية، إن فَهْم الدور الجوهري الذي يُمكن للبحر الأحمر أن يلعبه يتطلب رؤية شاملة تتجاوز الخلافات وتُركّز على الاستدامة والتعاون لمصلحة الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى