
الحرب في مفهومها التقليدي طبعا هي التي تدور بين من يحملون السلاح ولكل منهم مراميه و أهدافه وكل فريق فيها يدعي أنه الأقدر على تحقيق النصر لأنه يملك الحقيقة كما يظن من كل أطرافها المترهلة سواء كانت تلك الحرب بين دولتين أو حربا داخل الوطن الواحد .
حقيقة كنت قد حجبت قلمي طيلة عامين أو نحو ذلك عن الخوض في الشأن السياسي بتلتحليل لان الشعار الذي فرض نفسه على أرض الواقع ويحتم أن نقف مع شعبنا في التصدي للعدوان الذي استهدف هيبته وشرفه وكينونته..كان شعار أن الحصة وطن وبغض النظر عن تشريح أسباب الحرب و من بدأها ومن المستفيد منها ومن هي الجهات الداخلية والخارجية التي تصب على نارها الزيت ..فكل ذلك تركناه خلفنا وكان الهم الأكبر الذي يشغلنا الى متي ستظل الحرب مشتعلة و إلى اين و كيف ستقود هذه الكارثة الانسانية البلاد وقد اكلت يابس عودها بنهمها و داست على اخضر عشبها باقدامها وشتتت وشردت أنسانها الذي أضحى لا اقول ذليلا في طرقات التبطل والنزوح واللجوء بل فقد البوصلة التي ترسي عقله على فهم ما يدور في سودان الحرب اللعينة هذه .
بيد أن ما زاد من طين هذا الوضع بلة أن حربا بدات تطل برأسها وهي الاقبح في شكلها و الاسواء في وقعها على المواطن المقهور الذي يتوقع من أولي الأمر أن ترفع هذه الظروف التي يعيشها هذا الوطن الجريح جراء الحرب اللعينة من روح المسئؤلية في اولئك القابضين على عنان السلطة وفي مختلف مستوياتهم السيادية و الوزارية والعسكرية بدلا من الانحدار إلى حرب الاتهامات بالفساد من ذاك الطرف ليرد الطرف الآخر بما يسمم الأسماع عن فساد المحسوبية في كابينة الحكم الناقص اصلا والذي ظل في حضانة المواليد الخدج والمشوهين منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الخلاقة كما قال استاذنا الحاج وراق ووصفه بانه سقط من رحم أمه براسين ما لبثا كما توقع أن اختلفا وباتا على مفترق هذا الطريق اللاهب الذي يحرق وطنا لطالما ظنناه عصيا على نيران الفتن..ولكن !
فماذا تبقي من هيبة هذا الحكم المرقع بتعيينات التكليف ..ورئيس مجلس السيادة ونائبه يتقاذفان بكرات اللهب التي قفزت من أعلى سور السلطة لتنتشر في فضاء الإعلام المفتوح تلميحات اقرب الى التصريح وهي تستفز المواطن التائق للسلام حتى يأتيه ليعود إلى حياته التي زعزعتها حرب السياسة ولوثتها الصراعات بانتن معايير النجاسة حينما يقتفي الوزراء هم أيضا درب من هم أعلى منهم في دلق المياه القذرة لينزلق فيها خصوهم الذين يجلسون معهم في سدة الحكم التنفيذي يتبادلون الانهامات جهارا نهارا وعلى رؤوس الاشهاد بالفساد وعدم الكفاءة ..ليحذو ذات المنحى بعض العسكريين الذين يرون أن صوت السلاح في يدهم هو الاصدق أنباء من الحصانة الدستورية .
إذن ما الذي تبقى من ثقة الشعب في مسئؤلين لم يستشعروا حجم تكليفهم في ظرف حساس يتطلب أن تتضافر أيادي قادته السياسيون والعسكريين لإنقاذ البلاد من حالة الغرق بدلا من أن تتشابك بالخناقات الذاتية دون أن يحاسبوا او حتى يقالوا اويستقبلوا في ظل غياب المؤسسات التشريعية المفوضة من الشعب التي تنوي عنه في المساءلة.
و ولكنهم جراء ذلك الغياب وكأنهم يطبقون المثل القائل من امن العقاب ..اساء الادب ..
وبعد كل هذا هل هناك أدنى درجة من الغرابة في أن تسقط المدن تباعا و تنتهك السيادة تحديا و تصاب المطارات تعدياو تنسحب الوحدات بشتى الذرائع والخشية من أن ترتخي اياد الجنود المضحين بحياتهم فتنخفض معنوياتهم و تنكسر شوكة سلاحهم ..طالما أن أولي الأمر الذين يفترض أن يكونوا القدوة المثالية لهم مشغولون بتصفية حساباتهم البينية في حرب من النوع الاقبح الذي يدور على طاولة الحكم مثل لعبة القمار التي يخسر فيها اللاعبون جميعا ..ولكن يظل الخاسر الاول والأكبر هو الوطن وشعبه الحسير جراء كل ما يجري من أنواع تلك الحروب الغريبة .
كان الله في عون أمتنا المكلومة ..
وهو من وراء القصد .