تباين المواقف وراء تشظي حركة العدل والمساواة
الانقسام الكبير يشطر الحركات المسلحة في السودان
حذر مراقبون من أن الحرب ستطال حتماً كافة مصفوفات تنفيذ اتفاق جوبا للسلام
لفت الانقسام الكبير الذي ضرب حركة “العدل والمساواة”، كبرى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، مطلع الأسبوع الماضي، الأنظار إلى حال التشظي التي لازمت تلك الحركات، بخاصة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وإعلانها الحياد تجاه الحرب.
تكررت الهزات داخل كثير من الحركات وهي تتأرجح في مواقفها السرية والعلنية بين طرفي القتال، كما سبق وبدت منقسمة في موافقها من الاتفاق الإطاري، ما بين “الحرية والتغيير” (المجلس المركزي) و”الكتلة الديمقراطية”، وبينما هي جزء من الحكومة على مستوى مجلس السيادة الانتقالي، لكن موقف حيادها السلبي المعلن من الحرب لا يجد رضا المؤسسة السيادية، بل يثير غضب العسكريين منهم والمدنيين.
تشتت مواقف بعض الحركات بدا أكثر حدة ووضوحاً بعد أن تحول بعضها من مربع الحياد إلى إعلان الوقوف مع الجيش على غرار حركة “تحرير السودان” بقيادة مصطفى تمبور، في مقابل تمسك حركة تمازج بقيادة مصطفى قرشي، بالوقوف مع “الدعم السريع”، وكلاهما من الموقعين على اتفاق جوبا للسلام، فهل يغذي ذلك التشتت حال الانقسامات والتشظي الهيكلي الذي بدأت ملامحه داخل كثير من الحركات؟
حملات تحريضية
غير بعيد من تداعيات مواقف الحركات من حرب السودان الراهنة ضرب حركة “العدل والمساواة” كبرى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام انقساماً حاداً وكبيراً، إذ أقدم جبريل إبراهيم رئيس الحركة على إعفاء أربعة من أبرز قادة الحركة على رأسهم الأمين السياسي سليمان صندل حقار ومسؤول ملف التفاوض أحمد تقد لسان والمسؤول عن إقليم كردفان آدم عيسى حسابو ونائب أمين التنظيم والإدارة محمد حسين شرف.
وقال نائب مدير الإعلام بحركة “العدل والمساواة” حسن إبراهيم فضل إن قرار إعفاء قادة الحركة اتخذ بناء على النظام الأساسي واللوائح بعد إخضاعهم للجنة تحقيق داخلية، وأقر فضل بأن القادة المقالين من المؤثرين في الحركة وعرفوا بالنضال الطويل، لكن تظل الحركة كمؤسسة فوق الجميع، والالتزام بالمؤسسية والحفاظ على مقدرات الحركة هدف مقدس.
في شأن حيثيات وملابسات إعفاء قادة حركة العدل والمساواة من عضوية مكتبها التنفيذي نبه بيان الحركة إلى أن قرار الإعفاء استند إلى تقرير اللجنة الخاصة، الذي اتهم المجموعة المفصولة بقيادة حملات تحريض ضد أجهزة الحركة والقيام بأنشطة ولقاءات واجتماعات مع القوى السياسية والتحالفات المناوئة لها.
اتصالات سرية
وتحدث تقرير اللجنة الخاصة المشكلة من “العدل والمساواة” عن أن عدداً من الأعضاء داخل السودان وخارجها قال إن القادة المعفيين تواصلوا معهم بغرض استقطابهم وإقناعهم للالتحاق بهم بدعوى إجراء إصلاحات جوهرية في الحركة، وهنا لفت نائب مدير الإعلام بحركة “العدل والمساواة” إلى أن معلومات مؤكدة وردت للحركة من أديس أبابا مطلع الأسبوع الماضي أن المجموعة نفسها وصلت إلى العاصمة الإثيوبية للمشاركة في اجتماعات المجلس المركزي أو ما سميت بالقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري وذلك من دون تفويض أو تكليف، علماً أن الحركة لم توقع على الاتفاق الإطاري وليست من مكونات المجلس المركزي للحرية والتغيير.
ووفق فضل فإن غالبية أعضاء المكتب التنفيذي لحركة العدل والمساواة اعتبروا خلال مناقشاتهم تقرير اللجنة الخاصة بهذه القضية أن ما أقدمت عليه تلك المجموعة مخالف للنظام الأساسي وينتهك سلطات رئيس الحركة المناط به تنفيذ أهدافها كافةن بما فيها تشكيل اللجان والوفود وأنه ليس هناك من هو فوق أجهزة الحركة، مطالباً بأهمية المحاسبة والحسم.
ضعف وهشاشة
في السياق توقع المتخصص في شؤون الحركات المسلحة محمد موسى بادي أن تمدد تأثيرات ما بعد الحرب سيطاول حتماً مصفوفات تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان كافة، ولن تقتصر على ذلك فحسب، بل سيتجاوزها إلى البنيات الهيكلية الداخلية للحركات نفسها، مما يعني تتغيراً كبيراً متوقعاً في العلاقات البينية والتحالفات التي كانت نشأت وخلفت مجموعة تكتلات متناقضة للجبهة الثورية.
وأشار إلى أن غياب أثر موقف الحياد من الحرب الذي أعلنته الحركات سببه حال الضعف والهشاشة السياسية التي تعيشها، لأنها لم تتمكن من امتلاك أدوات الفعل السياسي التي تتيح لها التأثير في المشهد منفردة ومن دون الدخول تحت تحالفات، لذلك فإن انقسامات أفقية ورأسية أكثر متوقع حدوثها خلال الفترة المقبلة، على غرار ما جرى داخل حركة العدل والمساواة.
يتابع “بلا شك أن ما بعد الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي – اندلاع الحرب – سيجب كل ما هو قبله، وما سيطرأ من تغيير على مستوى المشهد السياسي، ولن يستثني العملية السياسية النهائية (الاتفاق الإطاري) كما سيؤثر أيضاً في اتفاق جوبا لسلام السودان 2020 في جوانب عديدة منها استكمال عملية السلام بدخول بقية الحركات غير الموقعة على الاتفاق”.
انفصام سياسي
على نحو متصل قال المتخصص في الشؤون الأمنية مرتضى إبراهيم حسين إن موقف الحركات السلام المحايد من الحرب مهما حاول التدثر بثوب الحكمة لن ينسجم مع كونهم شركاء في السلطة من أعلى مستوياتها في مجلس السيادة مروراً بالوزارات وحتى المحليات على مستوى الإقليم والولاية، متسائلاً “كيف يتسق موقفها مع كونها تمثل السلطة التي تمردت عليها قوات ’الدعم السريع‘؟”.
ورأى أن الحركات تعيش حالاً من الانفصام السياسي، فهي تريد أن تكون في السلطة لكن ليس معها في الحرب، وهو موقف غير أخلاقي ولا يتسق مع المسؤوليات التي يتولاها قادة الحركات في المجلس السيادي أو حتى في القيادات التنفيذية وزراء وحكام وولاة.
ونوه بأن الشعور بهذا التناقض الكبير بين وضعية الحركات وموقفها، بدأ يتسع داخل أروقة أجهزة الحركات نفسها، وهو الذي بات يغذي ويعزز نزعات التصحيح والانشقاقات داخلها، لأن كثيراً من القيادات العليا والوسيطة بدأوا يستشعرون الضغط الأخلاقي والموقف الرمادي الذي لا يعبر سوى عن انتهازية، لكن القيادات الحالية بالحركات لم تتنبه للتململ المتزايد كل يوم وسط قياداتها الوسيطة وقواعدها.
بحسب حسين فإن الحركات تخسر بشدة وتتآكل صدقيتها في كل يوم من الحرب أمام مواطني دارفور، وهم يرونها عاجزة عن حمايتهم ومكتسباتهم كمدنيين حتى الأمس في مدينة نيالا، فبينما يتشرد السكان ويقتلون تتفرج الحركات من موقع التزام الحياد، معتبرة ببساطة أن الأمر شأن يخص الجيش وحده، وهو ما لا يتسق مع مسؤوليتها، بغض النظر عن عواقبه ومبرراته، لأن الحياد لا يكون تجاه أداء الواجبات الأساسية لها كحاكمة ومسؤولة عن حماية وتأمين المواطن.
تعدد وتخبط
من جانبه اتهم المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية اللواء معتصم عبدالقادر الحركات المسلحة سواء في دارفور أو النيل الأزرق، بأنها لم تكن تمتلك قوة ميدانية أو سند ودعم جماهيري، بالتالي فهي كانت تفتقر إلى أي فعل سياسي فاعل ومؤثر حتى قبل اتفاق جوبا للسلام، لكن كل تلك الحركات استفادت بصورة أو أخرى من عودتها للخرطوم لتحقق وتنال مكاسب في السلطة والثروة لبناء حركات وتنظيمات.
زاد “قطعاً مثل هذا البناء لا يستند إلى أسس فكرية وبناء قاعدي يخاطب من خلاله هموم وقضايا مناطقها ومواطنيها، لذلك فهي لم تنجح ولن تفعل في أن تكون طلائع نضال حقيقية، وهو ما يمثل مربط الفرس وسر التخبط والانشقاقات وتعدد الائتلافات”، مشيراً إلى أن من أكبر الأدلة على بعد هذه الحركات عن جماهيرها أنها لم تتصد بالدفاع أو حتى الإدانات اللفظية للانتهاكات التي تعرض لها المدنيون في إقليم دافور وما زالوا”.
وأضاف “ظلت قيادات هذه الحركات تسعى على الدوام إلى تحقيق مكاسب شخصية على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، منتقداً ضعف التكوين الفكري والعمق السياسي وغياب الحس القومي الذي يجعل من السهل التعاطي مع مثل هذه القيادات في مقابل مكاسب الثروة والسلطة”.
الحركات تدافع وتهاجم
على الصعيد ذاته ورداً على انتقادات عضو مجلس السيادة الانتقالي مساعد القائد العام للجيش الفريق أول ياسر العطا للموقف المحايد لقيادات الحركات المسلحة الموقعة على السلام من الحرب، أصدرت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في دارفور، بياناً وصفت فيه حديث “العطا” بأنه مناورة أراد بها جر الحركات لتكون طرفاً في هذه الحرب العبثية، مذكراً بأن لها قضية وطنية قاتلت من أجلها 20 عاماً بهدف بناء دولة تسع وتحترم الجميع وترفع شأن وكرامة الإنسان السوداني.
وقال رئيس اللجنة الإعلامية للحركات المسلحة الرائد أحمد حسين مصطفى، إن موقف الحياد الذي التزمته حركات الكفاح المسلح، هو الذي جعل من الممكن وصول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية والقوافل التجارية إلى كل من دارفور وكردفان تحت تأمين وحماية القوة المشتركة للحركات.
وهاجم المتحدث حديث الفريق العطا بشدة وضراوة، متسائلاً “لماذا لم يحم هو وعناصر القوات المسلحة أهل الجنينة من الإذلال الذي حدث أمام أعين ووجود القوات المسلحة من دون أن يحركوا ساكناً”.
كان حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي طالب بمشاركة حركات دارفور في مفاوضات منبر جدة، مبرراً بأنها يمكنها القيام بدور مهم في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وقال مناوي في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس”، “على رغم تعطل عملية الترتيبات الأمنية الخاصة بحركات الكفاح المسلح بسبب الحرب، لكن الدور الذي لعبته تلك الحركات في حفظ الأمن من خلال القوة المشتركة في دارفور يجعلها عنصراً مهماً في التفاوض لوقف إطلاق النار في منبر جدة”.
دفع انتقال الحرب التي اندلعت في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السرع” إلى دارفور، أكثر من مليون شخص للفرار من الإقليم، كما اتخذت في بعض المناطق نمطاً من القتل الإثني والعرقي، وسط مخاوف من انزلاق الإقليم المحتقن بالمشكلات القبلية نحو حرب أهلية وإثنية، وجر البلاد كلها إلى أتون حرب أهلية شاملة وطويلة الأمد.
وتسببت الحرب السودانية في مقتل ما يقارب 3 آلاف شخص ونزوح أكثر من 4 ملايين شخص، منهم ما يزيد على مليون من الخرطوم وحدها، مخلفاً أزمة إنسانية طاحنة في كل من دارفور والعاصمة السودانية التي لم تهدأ فيهما المعارك والحرب تدخل شهرها الخامس.