المنوعات

ابن عوف الذي عرفته عن قرب..محمد عبد الله برقاوي..

كم حز في نفسي وانا أشاهده اخر مرة عقب عودتي إلى البلاد وهو يجر إحدى ساقيه بصعوبه ويتكيء على عصاه بيده المعافاة وقد أسدل الأخرى متراخية إلى صفحته وهي التي تأثرت بتلك الجلطة اللعينة وقد داهمته منذ سنوات .
كان ذلك اللقاء خلال تأبين رفيق دربه وشاعر باكورات أغنياته البروفيسور السر دوليب بالمسرح القومي بام درمان واظن ان ذلك الحفل كان في عام 2018 او نحو ذلك .
جاء ميرغني محمد ابن عوف وفاء لرفيق دربه رغم اعيائه ولم يكن ذلك أمرا غريبا على صاحب الاسم الفني محمد ميرغني الذي عرفناه نحن المغتربين بعين الإمارات العربية المتحدة خلال زياراته العديدة لنا التي امتدت متتالية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ..وكان آخر لقائنا معه في العام 2015 عقب إصابته بتلك العلة حيث كرمته الجالية بالنادي السوداني بالعاصمة أبوظبي ..ولكن إخلاصه لاهل الجالية بالعين أبى إلا أن يحمل جسده المنهك ويصلنا في عين الخليج الوارفة فضمتنا جلسة ريد تاريخية معه امتدت حتى فجر اليوم التالي في ضيافة الراحل الوجيه السيد عوض الله مصطفى مدير محطة الخطوط الجوية السودانية بالعين في منزله العامر حيث كان حضورا الفنان الضخم التاج مكي والشاعر الفحل تاج السر ابو العائلة والصحفي النابغة جعفر سورج .
كان محمد ميرغني كشكولا من الإبداع والحس المتنوع ما بين المعلم الحادب على جلال مهنته و الرياضي الذي تجلت سلامة عقله في نشاط وحيوية حركة بنيته والفنان الذي يبجل فنه فسكن وجدان محبي صوته وعشق انجذابه كالصوفي وهو يترنم مغمض العينين وكأنه درويش قد غرق في بحر هيامه .
ولأنه معلم يقدس ازمنته مع فصول الدراسة ..اذكر أننا في إحدى زياراته أن تعذر علينا إيجاد مكان لنقيم فيه ونحن بضعة عشرات جلسه استماع لصفوة من محبيه هو ورفيقي دربه الراحلان ثنائي العاصمة .
فاخذنا أحد ملاك المدارس الخاصة وعرض علينا أن نقيم الجلسة في أحدى غرف شقة مدرسته بعد افراغها من اثاثاتها ..فاعترص محمد ميرغني بشدة مقسما أنه بعد كل هذا العمر من تعامله مع مقاعد الدراسة لن يسمح لنفسه بازاحتها لجلسة غناء يمكن أن نقيمها في أحد أسطح المنازل أو حتى في الصحراء خارج المدينة .
فأكبر الجميع فيه روح المعلم الذي لا يخلط ما بين الأمور ..وهي واقعة ظلت عالقة في ذهني ولا ولم ولن تبارح الذاكرة ما حييت.
برحيل ابن عوف اليوم بعد ذهاب الكابلي وأبو الامين وغيرهما في هذه السنوات العجاف بابتلاءات الجوائح ولعنة الحروب نفقد علما اخر خلفت حنجرته صدى لن يتبدد بهذا الرحيل المر .
وسيظل يتردد في جنبات المسامع التي طربت له ايما طرب و لطالما رقصت له احاسيس المحبين .. و صفقت الايادي بحرارة والتهبت إعجابا صادقا ..و خفقت له قلوب العذارى و شدت معه أرواح المحبين..
اليس هو من قال في كلمات.. السر دوليب .
للقلوب إحساس يقرب..
وحتى للأرواح عيون..
عليهم الرحمة جميعا ولعل ارواحهم تتعانق الان في جنات الخلد ..بأمر المولى الغفور الرحيم .
والعزاء فيهم للوطن المنكوب بفقدهم الأليم ولاسرهم ومعجبيهم .
وانا لله وانا اليه راجعون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى