الأخبار

الوكالة القطرية (قنا) : هل ينجح مبعوث أمريكا الجديد للسودان في إقناع طرفي الصراع بإلقاء السلاح؟

قنا/ بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام تعيين مبعوث خاص للسودان، في مسعى جديد منها لإقناع طرفي الأزمة بإلقاء السلاح، ووقف القتال الذي أودى بحياة آلاف المدنيين، ونزوح ولجوء أكثر من عشرة ملايين و700 ألف شخص داخل وخارج البلاد، فضلا عن دفع نحو 25 مليون نسمة، أي أكثر من نصف السكان، إلى الاعتماد على المساعدات الدولية.

وقال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، في بيان سابق، إن إدارة البيت الأبيض عينت توم بيرييلو، عضو الكونغرس السابق والذي عمل سابقا مبعوثا خاصا لمنطقة البحيرات الكبرى في إفريقيا، مبعوثا خاصة للسودان، حث سيتولى تنسيق سياسة الولايات المتحدة بشأن السودان، وتعزيز الجهود لإنهاء المعارك، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بدون عوائق، ودعم الشعب السوداني في سعيه لتحقيق تطلعاته من أجل الحرية والسلام والعدالة.

وقال المبعوث الأمريكي الجديد للسودان، في بيان عقب تعيينه، إنه سيبني على جهود الشركاء في أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط لوضع حد للحرب والأزمة الإنسانية والأعمال الوحشية، مبينا أن تعيينه يعكس مدى الإلحاح والأهمية التي أولاها الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن لإنهاء هذه الحرب، ووضع حد للكثير من الأعمال الوحشية بحق المدنيين، والحيلولة دون تحول الوضع الإنساني المروع بالفعل إلى مجاعة كارثية.

وفي ديسمبر الماضي، قدم بن كاردين رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وجيم ريش النائب الجمهوري، قرارا يدعم الدعوات لتعيين مبعوث خاص رفيع المستوى للمساعدة في إنهاء الصراع في السودان، حيث قال النائب، حينها في بيان، “على الرغم من التركيز العالمي على الأزمات في أوروبا والشرق الأوسط، فإنه لا ينبغي التغاضي عن الوضع المزري في السودان الذي يتسم بالمعاناة الشديدة والدمار واسع النطاق والجرائم المروعة”.

كما أوضح مسؤول في إدارة بايدن مواصلة غودفري سفير الإدارة الأمريكية لدى الخرطوم مهامه من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بغض النظر عن تعيين بيرييلو، حيث سيسعى لمواصلة الضغط من أجل السلام، مبينا أن عدم وجود مشاركة رفيعة المستوى ليست صحيحة.

ويرى منتقدون أن سياسة بايدن تجاه السودان كانت في حالة من الفوضى، مشيرين إلى ما يعتبرونه افتقارا إلى جهود رفيعة المستوى والمشاركة في الجهود الرامية إلى كبح جماح الفصائل المتحاربة في البلاد وداعميها الإقليميين.

ويشيرون إلى أن رؤساء الولايات المتحدة السابقين، منهم جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قد عينوا مبعوثين شخصيين للبيت الأبيض لحل التحديات الدبلوماسية الأمريكية في السودان، ما يعكس الأولوية القصوى الممنوحة للاستجابة للأزمة.

إلى ذلك، أعرب كاميرون هدسون المحلل السابق بالخارجية ووكالة المخابرات المركزية عن خشيته من فشل المبعوث الجديد في مهامه بالنظر للمتغيرات صلب الإدارة الأمريكية، قائلا “بالنسبة لي كمراقب للسودان، ما يزعجني في كل هذا هو أن بلينكن لا يريد أن يشارك.. هذا أمر مدمر للغاية لسياستنا في السودان.. هناك إبادة جماعية تحدث في السودان، والبلاد على وشك التفكك”.

ويهدف تعيين بيرييلو إلى إظهار التزام الولايات المتحدة بإنهاء الصراع الذي أدى إلى مقتل أكثر من 12 ألف سوداني وعرقلة الجهود الدولية لمساعدة الخرطوم على تطوير اقتصادها.

وتهدد السودان حاليا أزمة صحية وغذائية جراء استمرار الحرب، فالصراع الحالي يفرق عن الصراعات السابقة بدخول المدنيين طرفا أساسيا في النزاع عبر احتلال منازل ومرافق عامة، جراء انقلاب حياتهم رأسا على عقب، خاصة سكان ولايات الخرطوم والجزيرة (وسط) وولايات دارفور الخمس الذين يعدون الأكثر تضررا من الحرب.

وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأن حرب السودان جعلت نحو 25 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، بينهم حوالي 14 مليون طفل، كما أن الأطفال، أكثر الطبقات الاجتماعية تأثرا بالحرب، أجبروا على مرافقة النازحين أو اللاجئين من أهلهم، وعاشوا حياة من الرعب والهلع بسبب القتال الذي يدور فوق رؤوسهم، وكان بعضهم من ضحاياه، فضلا عن فقدان الكثير منهم حياتهم جراء المرض أو الجوع خلال رحلة النزوح أو اللجوء، وفقدوا فوق ذلك حقهم في تلقي التعليم.

وخلال الشهرين الأولين للحرب، كان التأثير السلبي للنزوح محدودا، حيث لم تضطر الدولة ومنظمات العون الإنساني إلى إقامة معسكرات في المناطق التي نزح إليها بعض سكان ولاية الخرطوم، فالغالبية العظمى ممن نزحوا خلال تلك الفترة كانوا إما ملتحقين بأقربائهم في المدن والمناطق التي نزحوا إليها أو أنه كان بوسعهم استئجار منازل والإقامة فيها، لكن الحال بدأ يتبدل بمرور الوقت وامتداد أمد الحرب ووصول مجموعات جديدة من النازحين كانوا قد خيروا البقاء في منازلهم، فازدادت الأعباء على المجتمعات المضيفة، واضطر القادرون على العمل من الرجال والنساء للبحث عن عمل ومصادر دخل، وتركوا أسرهم في سبيل ذلك، الأمر الذي أثر سلبا على تماسك المجتمع واستقراره، وينذر بمزيد التعقيدات إذا تواصل القتال.

وتتحدث الأرقام غير الرسمية أيضا عن عدم قدرة أكثر من 20 مليون طفل على الانتقال إلى المدارس، وسيكون لذلك الأمر آثار سلبية على المديين المتوسط والطويل، سواء على الأطفال الذين فقدوا حقهم في مواصلة التعليم أو على أسرهم أو على المجتمع والدولة.

والمشكلة التي ستواجه هذه الفئة الضعيفة من المجتمع، مشكلة مركبة، فالحرب لها آثار نفسية سيئة على الأطفال، وحين تتوقف ويجدون أن مدارسهم وجامعاتهم قد لحقها التدمير فسوف تتعمق الآثار النفسية السلبية.

كما يعتبر الوصول إلى الرعاية الصحية في السودان في ظل الصراع الحالي أمرا صعبا، فقد فاقم عدم توفر الرعاية الصحية للكثيرين أو محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية، من الأوضاع الصحية الهشة لقطاعات واسعة من السودانيين، حيث تسببت الحرب في تضاؤل الخدمات المقدمة إما بسبب احتلال الدعم السريع للعديد من المستشفيات أو بسبب هجرة الكوادر الطبية، ولا تزال هذه الأزمة تزداد قساوة خاصة بعد أن أضيفت لها ندرة الأدوية بعد أن تم نهب المخازن الرئيسية في ولاية الخرطوم وسرقة الصيدليات.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الأمن الغذائي بالسودان يشهد أزمة لنحو 37 بالمئة من السكان، أي حوالي 17.7 مليون شخص، يعانون من الجوع الحاد، وأصبح الأمن الغذائي مهددا بشكل أخطر على خلفية وصول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة (بها أكبر مشروع زراعي بالبلاد) واحتلال عاصمتها وعدد من المدن الصغرى والقرى، ونهب مخازن الغذاء حتى أصبح المزارعون غير قادرين على مواصلة نشاطهم والإنتاج.

ومنذ 18 ديسمبر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على عدة مدن بولاية الجزيرة، بينها مركزها مدينة “ود مدني” المتاخمة للخرطوم من الجنوب وذات الكثافة السكانية العالية وكانت قبلة للنازحين من القتال في العاصمة.

وبسبب الحرب أيضا لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى كل المحتاجين وتقديم الحد الأدنى من العون الغذائي، وقد ثبت بالفعل أن هناك من ماتوا بسبب الجوع، وتعد الظروف التي تعمل فيها منظمات العمل الإنساني غير مواتية، فطبيعة الحرب التي تشنها قوات الدعم السريع لا تراعي الجوانب الإنسانية ولا حقوق المدنيين، وهو ما حد من قدرة المنظمات على الوصول إلى المحتاجين، فضلا عن أن الميزانيات التي رصدها المانحون والمجتمع الدولي لتوفير الغذاء في السودان أقل من الاحتياج الفعلي ولم يتم الوفاء بها كلها، وهذه الأمور وغيرها من شأنها أن تفاقم من الأزمة الإنسانية خاصة وأن الدول المؤثرة في العالم أصبحت منشغلة بحروب أخرى استجدت في العالم والمنطقة.

وتعاملت دول جوار السودان، التي هي في الأساس مثقلة بأزمات داخلية، بشكل معهود مع تدفق اللاجئين وأتاحت للمنظمات الإنسانية الوصول إليهم وتقديم العون العاجل، لكن مع استمرار تدفق اللاجئين وضعف العون الدولي المقدم أضحت بعض هذه الدول تحاول الحد من دخول السودانيين إليها.

ويبقى التحدي الأكبر هو حصر اللاجئين بشكل دقيق وتهيئة الظروف المناسبة لإقامتهم سواء في معسكرات منفصلة أو مع المجتمعات المضيفة بغرض تقديم الخدمات الأساسية لهم وبالتحديد العلاج والتعليم، مع رصد ميزانيات تفي بذلك.

ويمكن للدبلوماسية والمجتمع الدولي أن يلعبا دورا مهما في وقف الصراع عن طريق الوصول لحلول مستدامة، كما يمكن لهما أن يلعبا دورا فاعلا في جهود الإعمار، لكن ذلك كله لن يتأتى ما لم تستوعب الأطراف التي تقوم بأدوار الوساطة طبيعة الصراع بشكل عميق، وتلتزم جانب الحياد في الأزمة القائمة.

ويشدد مراقبون أنه وجب على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط على الدول التي دعمت الاحتراب الداخلي لوضح حد للأزمة التي أنهكت السودانيين ووطنهم الغني بالموارد المتعددة والثروات الضخمة، والقادر على الدخول في شراكات استراتيجية بعد الحرب مع دول ذات سمعة جيدة في مجال الإعمار، وفقا لخطط واضحة، وبالتالي إعادة الإعمار بسرعة.

ورغم قيادة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة سلسلة محادثات بين طرفي الأزمة السودانية فيما عرف بـ “منبر جدة” الذي أفضى إلى توقيع اتفاق إطاري والتوصل إلى عشر هدن لم تكن كافية للتوصل إلى حل جذري للأزمة، كشف مشرعون أمريكيون أن عدة أطراف داخل البيت الأبيض ضغطت على الإدارة الأمريكية على مدى أشهر طويلة من أجل تعيين مبعوث خاص لإعطاء الأولوية للسودان، لملء الفراغ بعد انتهاء فترة عمل السفير الأمريكي السابق لدى الخرطوم جون غودفري.

ومنذ التغيير السياسي في السودان في العام 2019، لم تتخذ الولايات المتحدة من الخطوات ما يدفع عملية الانتقال الديمقراطي في بلد كالسودان، كما لم يزر أنتوني بلينكن وزير خارجيتها، السودان خلال جولاته المتكررة إلى إفريقيا على عكس وزراء الخارجية السابقين بالإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة (كولين باول، كونداليزا رايس، مايك بومبيو، وجون كيري) الذين زاروا الخرطوم في مناسبات عدة، وكانوا قريبين من أصحاب القرار في الخرطوم، ولهم تأثير كبير على المشهد السوداني برمته.. فهل تقود الخطوة الجديدة التي اتخذتها إدارة بايدن نحو مساع جادة وحقيقية لإنهاء أزمة ترشحها جميع المعطيات لأن تزداد تعقيدا ما لم تتكاتف الجهود لحلها قريبا؟

وكالة قنا القطرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى