
بعد مراوحة استمرت أشهراً في الخرطوم كسر الجيش الأسبوع الماضي حصاراً كانت قوات “الدعم السريع” تفرضه على مقر قيادته العامة في العاصمة. وفي الوقت نفسه أعلن الجيش استعادة مقر سلاح الإشارة وطرد قوات “الدعم السريع” من مصفاة الجيلي النفطية في الخرطوم بحري.
قُتل 65 شخصاً في الأقل وأصيب أكثر من 130 آخرين بجروح في قصف مدفعي وجوي طاول أمس الإثنين مدينتين في السودان، حيث تتصاعد حدة القتال بين الجيش وقوات “الدعم السريع”.
وقال المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم نشر اسمه إن “ضربة جوية للجيش على حي السينما في نيالا أسفرت عن مقتل 25 شخصاً وإصابة 63 آخرين”.
وتسيطر قوات “الدعم السريع” على جزء كبير من دارفور، بما في ذلك نيالا الواقعة على بعد 195 كيلومتراً من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور المحاصرة.
وشمال دارفور هي الوحيدة بين ولايات الإقليم التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، أما عاصمتها الفاشر فيقطنها نحو مليوني شخص يخضعون منذ مايو (أيار) لحصار تفرضه على المدينة قوات “الدعم السريع”.
ودارت في الفاشر بعض من أقسى المعارك بين الجيش الذي يحارب للحفاظ على آخر موطئ قدم له في المنطقة وبين قوات “الدعم السريع” التي تحاول السيطرة على كامل الإقليم.
مقتل 40 شخصاً في كادوقلي
وفي ولاية جنوب كردفان (جنوب) قتل أمس الإثنين 40 شخصاً في الأقل وأصيب 70 آخرون بجروح في قصف شنته جماعة متمردة على كادوقلي عاصمة الولاية، بحسب ما أفادت مصادر طبية ومحلية.
وقال مصدر في المستشفى الرئيس في كادوقلي إن “القصف على كادوقلي أسفر عن مقتل 40 شخصاً وإصابة 70 آخرين”. وأكد مصدر طبي ثانٍ هذه الحصيلة، مشيراً إلى أن الجرحى توزعوا ما بين مستشفى المدينة والمستشفى العسكري.
من جهته اتهم حاكم الولاية محمد إبراهيم فصيلاً متمرداً هو “الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال/ جناح عبدالعزيز الحلو”، بشن هذا القصف المدفعي. ويخوض هذا الفصيل المسلح اشتباكات ضد كل من الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ دخول هذين الطرفين في حرب طاحنة بينهما في أبريل 2023.
و”الحركة الشعبية-شمال/ جناح عبدالعزيز الحلو” تقاتل الحكومة منذ 2011 وتسيطر على أجزاء من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وقال حاكم الولاية إن “هجوم الحلو على المدنيين في كادوقلي يهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة”، متعهداً “تطهير الجبال المحيطة بكادوقلي” من هؤلاء المتمردين. وبحسب الحاكم فإن القصف استهدف سوقاً تجارية.
وفي 2020 رفض الحلو الانضمام إلى قادة متمردين آخرين في توقيع اتفاق سلام مع الحكومة، إذ إنه اشترط يومها أن يكون السودان دولة علمانية. كما رفض الحلو التحدث مع قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، متهماً قواته بارتكاب فظائع.
جرائم حرب”
والسودان غارق منذ أبريل 2023 في حرب أهلية طاحنة بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”.
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب “جرائم حرب”، ولا سيما استهداف مدنيين، وبشن قصف عشوائي على منازل وأسواق ومستشفيات، وبعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وبعد مراوحة استمرت أشهراً في الخرطوم كسر الجيش الأسبوع الماضي حصاراً كانت قوات “الدعم السريع” تفرضه على مقر قيادته العامة في العاصمة. وفي الوقت نفسه أعلن الجيش استعادة مقر سلاح الإشارة وطرد قوات “الدعم السريع” من مصفاة الجيلي النفطية في الخرطوم بحري.
وقُتل ما لا يقل عن 60 شخصاً وأصيب أكثر من 150 آخرين بجروح في قصف شنته قوات “الدعم السريع” على سوق مزدحمة في أم درمان التي يسيطر عليها الجيش.
وتسمى الخرطوم العاصمة المثلثة كونها تتكون من ثلاث مدن يفصل بينها نهر النيل، وهذه المدن هي الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.
كارثة إنسانية
وأوقعت الحرب عشرات آلاف القتلى وشردت أكثر من 12 مليون شخص ودمرت البنى التحتية الهشة أساساً في البلاد، مما أجبر معظم المرافق الصحية على الخروج من الخدمة. كما أدى النزاع إلى كارثة إنسانيةهائلة في بلد يجد فيه الملايين من سكانه أنفسهم على حافة المجاعة.
وأمس الإثنين حذرت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة من أن أكثر من 600 ألف شخص نزحوا من شمال دارفور منذ أبريل 2024.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة فإن 95 عملية تهجير حدثت في سائر أنحاء شمال دارفور، أكثر من نصفها في الفاشر. وأمس الإثنين أيضاً أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ستيفان دوجاريك، عن قلقه إزاء تقارير عن إعدامات بإجراءات موجزة راح ضحيتها مدنيون في الخرطوم بحري على أيدي عناصر من الجيش وميليشيات متحالفة معه. وقال إن “عديداً من ضحايا هذه الحوادث يتحدرون من دارفور أو مناطق كردفان”، داعياً جميع الأطراف إلى وقف القتال والعمل من أجل تحقيق سلام دائم. وأعرب دوجاريك عن أسفه لأن النساء والأطفال والرجال السودانيين “يدفعون ثمن استمرار القتال من قبل المتحاربين”.