الأعمدة

تأمين المؤن والذخيرة للمقاومة الفلسطينية : الوقت ينفذ!

 

لم تكن هناك أية قواعد عسكرية أمريكية في بلادنا العربية عندما أعلن الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب اكتوبر أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا..الأن لدينا 33 قاعدة عسكرية داخل 12 دولة عربية بعد مرور ما يقترب من النصف قرن على الإعلان.
ربما يقيم البيت الأبيض بعد عامين “تشريفة نيران” في سماء العرب ،تُطلق دانات المدافع ،تخليدا لذكرى إعلان السادات ،الذي أدى إلى إخلاء ميادبن السياسة والقتال في الإقليم من “اللاعبين” عدا واحدا فقط هو العم سام…ولا يندهش أحد إذا ما احتفل كذلك أصدقاء أمريكا وإسرائيل في الإقليم ،باليوبيل الذهبي لإعلان السادات،الذي غير من مصير التاريخ والجغرافيا والسياسة ،من المحيط إلى الخليج.
نصف قرن تقريبا على إطلاق إعلان سياسي ، جاء في أعقاب ارتفاع جنوني في أسعار البترول بعد حرب أكتوبر المجيدة،يتزامن مع حملة واسعة تدعو إلى استبدال الصناعة الوطنية بغيرها ، واعتبار استيراد السلع الأجنبية ،أسرع وأسهل واقل تكلفة من إنتاجها محليا.
بيد أن التاريخ قد لا تكتمل”صورته” إلا بالأفكار،في فرها من السلطة السياسية ،وخلال كرها نحو السلطة الاجتماعية.. ومن خلف القضبان خرجت أفكار العنف الديني، من السجون إلى القصر الرئاسي مباشرة ، ليكتمل التشكيل النهائي ل”خط الهجوم”على كل من يعادي أمريكا في الإقليم، ويسعى للتمرد عليها،بل واتهامه بالخيانة.
بعد خمسين عاما من إعلان الـ99%،أصبح العرب”رجل الإقليم المريض وبات عاجزا عن الحركة لإيصال شربة ماء أو لقمة خبز أو حتى علبة دواء لإخوانه وأشقاءه في غزة.. رجلا مشلولا يرتدي نظارة سوداء لا يرى من خلالها مصالحه الوطنية الكبرى،وأقصى ما يستطيع فعله الاستجداء والتوسل.
نصف قرن تمر على إعلان الـ99%..هي بمعيار الزمان لا شىء، وبمعيار المكان،تبدلت المواقع السياسية وتغيرت خرائط القوة خلال الخمسين عاما الماضية، وبمعيار التاريخ،مازالت فلسطين ـ عند العرب ـ دجاجة تبيض خطبا.. باختصار خرجنا من التاريخ.
والخروج في الثقافة العربية له عدة معان ودلالات ،والمفارقة أنها دلالات لا علاقة لها بالتاريخ،إنما بالسلطة ،أهمها وأخطرها،الخروج على الحاكم ، ملف طويل لم يغلق، يكتسب أهميته من ارتباطه الوثيق بكرسي الحكم ،ويكتسب خطورته من الإنقسام حوله،.. بعض من الشارحين يرونه إثما، وبعض من المفسرين يرونه حقا ..وبين الأثنين ،تدور الحياة الاجتماعية لملايين الشعوب العربية، على إيقاع قعقعات بنادق مئات الآلاف من جنود الجيش الصهيوني و77 ألف مقاتل أمريكي منشرين بطول وعرض العالم العربي.
خمسون عاما تقترب ،وأمريكا معها كل أوراق اللعب ..حتى الـ1% التي تركها لنا المرحوم ، كإرث، يسمح بالحضور العربي في قضايا المصير، تبددت بلا رجعة. ..خمسون سنة تمر،ونحن مقيدون في شباك الكذب الأمريكي ،لنصحو على جرائم الجناح الفاشيي لليمين الصهيوني في غزة ونكتشف أن أمريكا سلمت كل أوراق اللعبة لإسرائيل..بعد خمسين عاما اكتشفنا أن اللعبة لم تكن سوى “الثلاث ورقات” واحدة سياسية وأخرى اقتصادية والثالثة الأفكار والإيدلوجيات .
ـ في السياسة، سحب اعلان “اللعبة” أوراق القوة العربية وقطع عنها أكسير حياة الأوطان ـ الاستقلال ـ بما يعني في العامية “كلامه من دماغه” وبات النظام العربي كله أجيرا عند الكفيل الأمريكي ، وما نشهده حاليا من جرائم وغطرسة صهيونية في غزة والضفة، وتدليس أمريكي بالنار والمفاوضات، خير دليل على أن العالم العربي في مجمله فقد استقلاله السياسي ، لدرجة التردد والخوف من اتخاذ قرارات وطنية دون الحصول على إذن من البيت الأبيض .
ـ في الاقتصاد، فقر يحيط بالشعوب العربية المجاورة لدولة الكيان الصهيوني ،يتشاركون مع الميسورين منهم في القهر السياسي ..انهيار تام للعملات الوطنية في الدول المحيطة بإسرائيل ،داخل الأسواق العامية ،التي نستورد منها ،ما كنا ننتجه ونصنعه بالعملة المحلية .
أما الأفكار والمعتقدات فقد قامت بدور “العراب” وبادرت بتسويق أمريكا كصديق وحليف وحامي ، والأهم، كشريك أمين يستطيع إرغام إسرائيل إذا ما دعت الحاجة ..وجاء وقت الحاجة، وإذا بالأفكار والإيدلوجيا تَفُر من ميدان الصراع الوجودي مع الصهاينة وتصطف إلى جانب الدجاجة التي تبيض خطبا.
بالثلاث ورقات ،تجري اللعبة الأمريكية التي تركها السادات إرثا سياسيا لواشنطن ودون شريك..وفي ظل الغياب العربي التام كان من الطبيعي أن يقامر البيت الأبيض بأوراقنا الثلاث ، السياسة ـ الثروة ـ الدين(سنة وشيعة)..كاذب يقامر بأوراق غيره ..غش صريح وواضح في قواعد اللعب،ورغم ذلك نجلس على طاولة اللعب (مفاوضات غزة)ونواصل الخسائر.
هل “ضحكت”أمريكا علينا،أم خدعنا أنفسنا ؟ سواء كانت الإجابة بنعم في ذاك أو لا في ذلك ،فإنها لا تلغي حقيقة “الرجل العربي المريض” وأن لا سبيل سوى الخروج من “المشفى الأمريكي” فالأطباء هناك يتعمدون التشخيص الخاطىء، وينصحون بدواء غير موجود سوى في تل أبيب…صحيح أن الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في غزة والضفة ، لديه من الإرادة ما يفيض، إلا أن للصمود مدى وقدرة على التحمل.. خصوصا وأن البيت الأبيض يمنح إسرائيل كل الوقت، تحت سراب مفاوضات الأسرى التي لم ولن تصل لشىء طالما يحكم نتنياهو واليمين الفاشي إسرائيل
أمريكا تضحك علينا كل الوقت واستخدمتنا في خطة “تبريد الإقليم من السخونة العالية التي انقضت عليه في أعقاب الشهيدين فؤاد شكر في لبنان واسماعيل هنية في ايران، من خلال مفاوضات عبثية لا معنى لها.
الوقت ينفذ ولن تصمد المؤن والذخائر التي بحوزة المقاومة ..الوقت ينفذ ونتينياهو يراهن على استسلام المقاومة بعد نفاذ الذخيرة والمون..الوقت ينفذ وما يزال منا من يروج أن 99% من اوراق اللعب في يد أمريكا.
الوقت ينفذ ونحن جلوس..الوقت يتفذ و99% من أوراق اللعبة في يد اسرائيل .. الوقت ينفذ ، ساعدوا المقاومة بأي طريقة تؤمن لا المؤن والسلاح ..فإذا نجحت إسرائيل في القضاء على عليها، فإن النظام العربي إلى حقبة الهيمنة الصهيونية العنصرية الكارهه لكل ما هو عربي..الوقت ينفذ!
أحمد عادل هاشم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى