مقدمة ” الرضي بين النوم و اليقظة” .. للقاص عمر القنديل : بقلم محمد المصطفى موسى ..
أكرمني القاص الشاب عمر القنديل بكتابة هذه المقدمة لمجموعته القصصية الأولى . و الحق أنني قد وجدتها في غاية الروعة و البهاء.
واستقادني ما احتوته من أدب رصين إلى سبر أغوار نصوصها بشئ من الشغف من ثم التقدم للكتابة عنها .
يبدأ القاص استدراج قارئه نحو سردياته الشيقة منذ صفحة الإهداء الأولى . و من ذلك أنها إزدانت بكلمات حاليات أثقلتها وشائجية حميمة تجاه أسرته الصغيرة و الكبيرة . و قصصه في مجملها تتسم بتنوع الثيمات و المضامين . ويستبين ذلك بجلاء في جنوحه نحو الحوارية بين شخصيتين يلبسهما رداء البطولة كما في ” الكرسي المتحرك ” . و يتدرج بنا عمر القنديل في توظيف حوارياته السردية على لسان شخصياته البطلة بشكل مختلف تماماً . و من ذلك تناوله للذهنية الحانقة على مجتمعاتها المتخبطة و الغارقة في الفوضى و الفشل . نهايات عابثة كتلك ، أحسن الكاتب وسمها بأنفاس ساخطة دون أن يغفل ترك الأبواب مواربة لنهايات مفتوحة في ذهن القارئ . و تتمثل هذه التقنية في صياغة النص عند ” جبل الجليد ” بإتضاح بيّن . بيد أن عمر القنديل نفسه لم يبق حبيساً لتلك الحواريات القصصية . و من تنوع ثيمات نصوصه ، تنثال القصص التي تقوم على البطولة “المؤنسنة ” . و من ذلك قصة الأخطبوط الذي ألبسه ذهن و ثوب إنسان .. يخطط ليومه ببراعة قبل أن “تتطاير منه الخيبات ثم يقفل راجعاً إلى بيته” . و يوغل عمر القنديل بخطوات راسخة في الإتجاه ذاته حينما يؤنسن الجمادات بلغة رفيعة تستكن مفرداتها في متن نص متماسك التفاصيل على نحو ” المرآة ” .
و تتسيد السردية المفعمة بالفنتازيا القصة الرئيسة بتلك المجموعة “الرضي بين النوم واليقظة ” . بيد أن إشتغالاتها إمتدت لتخاطب قضايا اجتماعية و سياسية عميقة كالأزمات الاقتصادية ، الثورة و الحرب الكونية التي استقادت إلى ما تلاها من مصاعب .
والذي لا شك فيه أن عمر القنديل قد وسم مجموعته القصصية بميسم الثراء و التنوع .و يتجلى ذلك في الفنتازيا التي ضمنها في قصة ” سعيد يلفظ انفاسه الأخيرة” . و حسناً فعل القاص حينما أجاد توظيف أدوات الفنتازيا لمخاطبة اشتغالات انسانية مهمة كالموت برمزيته المزلزلة و حتميته التي ليس لها من راد . و استصحب عمر القنديل معه المقدرة على استلاف ذات الأدوات للنظر إلى الماضي بذهنية صارمة لا تخلو من حسرة الخيبات . غير أنه لم يتجه للنهايات التقليدية لمثل هذا النوع من السرد . سنجد أنه اختار أن يرسم نهاياته العاصفة للذهن بشكل غرائبي متفرد .
و لم يتوان القاص عن معالجة قضايا مهمة على نحو كيمياء النفس الإنسانية و نقائضها التي لا تكف عن الإصطراع . وبدا ذلك بوضوح من خلال قصة ” أنواتي المتصارعة” التي ازدانت حواشيها بروعة البناء القصصي و جزالة المحتوى.
إن أردنا أن نصطفي من الكلام زبدته ، لا يسعنا إلا تهنئة عمر القنديل على هذه الإصدارة الرائعة لما حوته من نفائس أدبية لألأة . فقد برع هو في جعل سردياته موسومة بالإستقامة على قسطاس الإجادة . و لم يغفل استخدام تقنيات التكثيف التي تُكمل بهاء القصة القصيرة في مجمل نصوصه .. و جاء كل ذلك مصحوباً بلغة طيعة أخاذة .