أخبار العالم

40 مليار دولار كلفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

أظهرت تصريحات رسمية أن “بريكست” كلف المملكة المتحدة نحو 40 مليار دولار، وفيما شجع متخصصون الحكومة الجديدة على تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لتفادي مزيد من أضرار طلاق لندن وبروكسل مستقبلاً، حذر مسؤولون أمنيون من تداعيات تتجاوز أضرار الخروج في حال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وإشعاله حرباً تجارية مع الصين.

كشفت صحيفة “اندبندنت” عن كلفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال عام 2020، وقالت إن لندن دفعت مقابل انفصالها عن بروكسل 24 مليار جنيه استرليني وما زال يجب عليها سداد 6.4 مليار جنيه لتسوية تفاصيل متبقية في اتفاق “بريكست”، مما يرفع الإجمالي إلى أكثر من 30 مليار جنيه تعادل نحو 40 مليار دولار.

تعرض رئيس الوزراء كير ستارمر أخيراً إلى ضغوط كبيرة للإفصاح عن الكلفة الحقيقية لطلاق لندن وبروكسل، فباح المسؤول في وزارة المالية توليب صديق للبرلمان بالأرقام التي وصفها خبراء بالمفزعة، وبخاصة أن حكومة “العمال” الجديدة تحاول بشتى السبل ردم هوة في الموازنة تبلغ 22 مليار جنيه، ورثتها عن سالفتها “المحافظين”.

النائب عن الحزب الوطني الاسكتلندي ستيفن جيثينز، قال إن “بريكست” كان كارثياً على اقتصاد المملكة المتحدة، “ليس فقط في الكلفة التي لم ننته من سدادها إلى اليوم، بل أيضاً من ناحية الفرص التي ضاعت والتحديات التي خلقت أمام الشركات، لندفع في نهاية المطاف مقابل امتياز الوجود خارج أكبر سوق موحدة في العالم”.

من ناحيتها لفتت الرئيسة التنفيذية لمنظمة “الأفضل لبريطانيا” نعومي سميث إلى أن مغادرة الاتحاد الأوروبي لا تكلف المملكة المتحدة كميات هائلة من المال فحسب، بل “تحاصر النمو الاقتصادي وتضيق الفرص أمام الشباب وتضعف التأثير البريطاني على المسرح العالمي، وغير ذلك كثير من تداعيات لا بد من التمعن فيها”.

وترى نائبة الرئيس التنفيذي لحملة “الحركة الأوروبية” إيما كناجز أنه من المفيد معرفة كلفة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ولكن تحديد تداعيات “بريكست” الكاملة على مجالات مختلفة مثل الاقتصاد وخدمات الصحة الوطنية وتكلفة المعيشة في حاجة إلى تحقيق مستقل وعميق، يرصد تأثير الخروج خلال أعوام عدة.

في سياق كشف الخسائر أيضاً أوضح المسؤول في المجلس البلدي لمدينة لندن مايكل مانيلي أن الخروج كلف المركز المالي في العاصمة أكثر من 40 ألف موظف انتقلوا لمدن أوروبية أخرى مثل دبلن وأمستردام وباريس وميلانو وغيرها، وهذا يعادل نحو ثمانية في المئة من 525 ألفاً كانوا يعملون في مجالات عدة قبل “بريكست”.

ولفت مانيلي إلى أن هجرة الوظائف من السوق البريطانية بين 2020 و2022 كانت كبيرة ولكنها انحسرت لاحقاً وانعكست صعوداً حتى وصل عدد العاملين داخل العاصمة إلى 615 ألفاً بفعل نمو تخصصات جديدة، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية الجهود التي تقوم بها الحكومة في إطار تحسين وتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

ثمة دراسة نشرها أخيراً موقع “موديرن دبلوماسي” ترصد أكثر من ألفي أثر سلبي للخروج مقابل 39 إيجابية فقط سجلت خلال الأعوام الخمسة الماضية، تتبع معدو الدراسة انعكاسات طلاق لندن وبروكسل على مختلف المجالات منذ 2020، ولكن في الخلاصة قالوا إن النتائج لا تنفي احتمال ظهور فوائد لـ”بريكست” مع الوقت.

من جهته قال مركز “بريطانيا في التغير الأوروبي” للدراسات والأبحاث إن المملكة المتحدة خسرت أكثر من 44 مليار جنيه استرليني من الاستثمارات في البنية التحتية بحساب التمويل الذي كانت تتلقاه الدولة من بنك الاستثمار الأوروبي بوصفها عضواً في التكتل، وغياب هذا الدعم خلق فجوة تنمية هذا القطاع لم تردم إلى اليوم.

ويشير المركز إلى أن لندن عوضت جزئياً التمويل الأوروبي في مشاريع البنية التحتية عبر بنوك استثمارية خاصة، ولكن الفجوة يمكن أن تستمر لأعوام وتبرز كواحدة من التحديات الكبيرة أمام الحكومة الجديدة، وبخاصة مع مشكلة “الهوة السوداء” التي ورثها حزب العمال عن “المحافظين” الذي قاد البلاد مدة 14 عاماً متتالية.

يعمل ستارمر ووزراؤه على تحسين علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي منذ وصولهم إلى السلطة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، لعلهم في ذلك يحتوون التداعيات الكبيرة لـ”بريكست” على الاقتصاد، ويتجنبون مشكلات أخرى قد تفرزها متغيرات دولية يمكن أن تظهر نتيجة توترات مختلفة حول العالم، أو عودة دونالد ترمب إلى السلطة.

وحذر مسؤولون أمنيون في بريطانيا من ضربة اقتصادية تتجاوز “بريكست” إذا فاز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وشرع في حرب تجارية مع الصين، إذ يمكن أن تتضرر المملكة المتحدة من التعريفات الجمركية التي سيفرضها الطرفان من أجل حماية اقتصاديهما، ولا تملك لندن رفاهية رفضها أو تجنبها.

وإضافة إلى التقارب والتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتفادي الأضرار الممكنة لعودة ترمب إلى البيت الأبيض مجدداً، قصد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بكين قبل بضعة أيام لبحث مستقبل العلاقات بين البلدين في ضوء تصريحات سابقة لرئيس الوزراء، قال فيها إن بلاده تتطلع إلى علاقات أفضل مع التنين الآسيوي.

ثمة تحديات تواجه البريطانيين في التقارب مع الصين، ولكن فتح صفحة جديدة مع الاتحاد الأوروبي طريق مليء بالعثرات أيضاً، كما أن إقناع ترمب بتجاوز خلافاته السابقة مع حزب العمال لن يكون سهلاً كذلك، وكل هذا ينتهي إلى نتيجة واحدة هي أن النهوض باقتصاد المملكة المتحدة اليوم مهمة ضبابية أمام ستارمر وحكومته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى