الأعمدة

طائرة ترتيباتها حطت بمطار كادقلي بعد أكثر من عام ونصف العام.. المساعدات الإغاثية.. انتصـارٌ للإرادة الإنسانية..

فريق فني يطمئن على الترتيبات الفنية والإدارية لتنفيذ اتفاق البرهان- سلفاكير..
والي جنوب كردفان يرحب بالوفد الفني ويؤكد جاهزية حكومته لتنفيذ اتفاق إيصال المساعدات..
إشادة بموقف الحركة الشعبية، وتأكيدات باستمرار التعاون لإيصال المساعدات..
دولة جنوب السودان تجدد التزامها بتنفيذ البروتكولات الموقعة مع السودان..
ارتياح في الأوساط المحلية، وتطلعات بتطوير الخطوة إلى اتفاق سلام..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
للمرة الأولى منذ اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، يلامس وجه مدرج مطار كادقلي الدولي إطارات طائرة حطت رحلها قادمة من مدينة جوبا حاضرة دولة جنوب السودان، تحمل على متنها وفداً رفيعاً معنياً بتنفيذ اتفاق إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين بتداعيات الحرب ومعطيات الإغلاق الكامل الذي تعيشه ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، حيث توصل الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ونظيره الفريق سلفاكير ميادريت رئيس جمهورية جنوب السودان، في السادس عشر من سبتمبر الماضي ٢٠٢٤م إلى اتفاق يقضي بنقل المساعدات الإنسانية مباشرة من مطار جوبا الدولي إلى مطار كادقلي الدولي.
أوضاع إنسانية معقدة:
وظلت ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة ومنذ يونيو 2023م تربط على بطنها حجراً وتقاسي أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد جراء الحصار المفروض على المنطقة وانقطاع الطريق الرئيس الأبيض – الدلنج – كادقلي والذي يعتبر شريان الحياة، حيث تقبع ميليشيا الدعم السريع في منطقة الدبيبات التابعة لمحلية القوز شمال مدينة الدلنج، فيما ترابط قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جنوب مدينة الدلنج، وتبدو المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة أكثر ضيقاً وشظفاً ومعاناة، مقارنة بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، حيث يرزح المواطنون تحت وطأة أوضاع معيشية خانقة دفعت بعضهم إلى التكيف مع الواقع بالاعتماد في غذائهم على الحشائش وأوراق ولحاء الأشجار وبعض الثمار، الأمر الذي دفع قيادة الحركة الشعبية لتعلن رسمياً في 14 أغسطس 2024م المجاعة بالمناطق الواقعة تحت سيطرتها في إقليم جبال النوبة، فيما سكتت الحكومة عن الأمر، واكتفت بالحديث عن معاناة الناس من ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء الحصار والإغلاق الكامل إلا من بعض الاختراقات التي حدثت في بداية شهر أكتوبر الجاري 2024م بوصول شاحنات محملة بالغذاء والمساعدات إلى ولاية جنوب كردفان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2024م.
موافقة الحركة الشعبية:
وفي الثاني والعشرين من شهر أكتوبر الجاري وافقت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بزعامة عبد العزيز الحلو قد وافقت على استخدام وكالات الأمم المتحدة لمطار كادقلي الدولي من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين في مناطق سيطرة الحركة الشعبية والحكومة السودانية بولاية جنوب كردفان- إقليم جبال النوبة، وقال رئيس لجنة الإعلام بمجلس التحرير القومي التابع للحركة الشعبية ــ شمال، جاتيقا أموجا دلمان، إن الحركة ستشرف بشكل مباشر على مراقبة حركة الطيران لضمان أن يتم إيصال المساعدات الإنسانية فقط، دون سواها، مبيناً أن المساعدات الإنسانية ستصل إلى أربع مناطق في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة منها منطقتان تابعتان للحكومة ومثلمها تتبعان للحركة الشعبية.
وفد مقدمة:
وبعد مرور أكثر من أربعين يوماً على اتفاق، البرهان – سلفاكير بجوبا، هبطت أمس الأربعاء طائرة تحمل على متنها وفداً رفيعاً ليقف على الترتيبات الفنية والإدارية لمطار كادقلي الدولي تمهيداً لبدء وصول الطائرات المحملة بالإغاثات والمساعدات الإنسانية، وأكد رئيس الوفد الزائر الصادق آدم إبراهيم أن وصولهم إلى كادقلي يأتى تمهيداً لإنفاذ توجيهات رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ورئيس جمهورية جنوب السودان الفريق سلفاكير، وبمتابعة لصيقة من رئيس لجنة الآلية المشتركة للطوارئ الإنسانية الفريق أول إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة، مبيناً أن الزيارة تهدف إلى فتح ممرات آمنة لنقل المساعدات الإنسانية براً وجواً لمواطني كادقلي وجُلُد، معرباً عن شكره وتقديره لحكومة ولاية جنوب كردفان، وحكومة السودان، وحكومة جمهورية جنوب السودان، وجميع الأطراف التي ساهمت في إنجاح المرحلة الأولى.
انتصار لإرادة الإنسان:
ولما كانت تداعيات الحصار قد انعكست سلباً على مختلف فئات المجتمع في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة وبخاصة الأطفال والكبار من العجزة والمسنين والنساء الحوامل والمرضعات فقد كانت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية الأسعد من بين المؤسسات المعنية في المنطقة، إذ تمثل هذه الخطوة انفتاحاً كبيراً ودعماً حقيقياً لجهودها ومساعيها الرامية لتحقيق التضامن والتماسك الاجتماعي ومحاولات توفير الرعاية المطلوبة للشرائح الضعيفة في المجتمع، وقد أعربت وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية بولاية جنوب كردفان الأستاذة جواهر أحمد سليمان عطية عن تقديرها وامتنانها للوفد الذي تكبّد المشاق ووصل إلى كادقلي في خطوة تعكس مدى الاهتمام بإنسان المنطقة الذي عانى كثيراً من ويلات هذه الحرب وتداعيات الحصار المفروض عليه، مبينة أن إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة يمثل انتصاراً لإرادة إنسان المنطقة الذي صبر وثابر لفترات طويلة، معتبرة الخطوة بالفرصة السانحة لرفع المعاناة عن كاهله.
التزام جنوبي:
وجددت حكومة جمهورية جنوب السودان موقفها الثابت من دعم ومساندة الشعب السوداني جراء التداعيات الإنسانية المترتبة على حرب الخامس عشر من ابريل 2024م، وقال مسؤول الطوارئ بوزارة الشؤون الإنسانية بجمهورية جنوب السودان، عضو الوفد الفني لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة السيد جيمس بول ريج إن حكومته ملتزمة بتنفيذ البروتكولات المتعلقة بفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتأثرين في المناطق المستهدفة، وأكد بول أن برنامج المساعدات والإغاثة القادمة إلى المنطقة ستشمل المحتاجين والمتأثرين في كل من كادقلي ومنطقة جُلُد.
تحول إيجابي:
وكان والي جنوب كردفان الأستاذ محمد إبراهيم عبد الكريم قد أعلن عن ترحيبه الكبير بمقدم الوفد الفني المعني بالوقوف الميداني على الخطوات الإدارية والفنية ومدى ملائمة مطار كادقلي واستعداده لاستقبال حركة الطيران، خاصة وأن المطار ظل لأكثر من عام ونصف العام خارج تغطية الملاحة الجوية، وامتدح الوالي في إفادته للكرامة من مدينة كادقلي موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل عبد العزيز الحلو بالموافقة على استخدام وكالات الأمم المتحدة مطار كادقلي لتوصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المتفق عليها، واصفاً موقف الحركة بالتحول الإيجابي باعتبار أن الحركة الشعبية ظلت لفترة طويلة ترفض كل المبادرات السابقة الخاصة بهذا الشأن، وأكد الوالي التزام حكومته بتنفيذ اتفاق البرهان سلفاكير، ومد جسور التعاون مع الحركة الشعبية حتى تُرفع المعاناة عن كاهل إنسان المنطقة، وجدد والي جنوب كردفان محمد إبراهيم عبد الكريم، أمله في أن تتطور عملية إيصال المساعدات إلى اتفاق مستقبلي لوقف شامل لإطلاق نار يقود الطرفين إلى عملية سلام دائم واستقرار مستدام.
ارتياح محلي:
ولقيت خطوة وصول أول طائرة إلى مطار كادقلي بعد أكثر من عام ونصف العام ارتياحاً كبيراً في الأوساط المختلفة بولاية جنوب كردفان- إقليم جبال النوبة، وأشادت الأستاذة مريم البتول أوشي، الخبيرة في شؤون وقضايا اللاجئين، رئيسة منتدى قيادات وناشطي جبال النوبة بالخطوة التي وصفتها بالانفتاح الكبير الذي يصبُّ في صالح المواطن المغلوب على أمره من خلال ما ظلّ يعانيه جراء سياسة الإغلاق، وامتدحت البتول في إفادتها للكرامة موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان الإيجابي بالموافقة على وصول منظمات الأمم المتحدة إلى المنطقة عبر مطار كادقلي الدولي، مؤكدة دعم المنتدى لأي قرار يرفع المعاناة عن كاهل المواطنين في جبال النوبة، وأي مساعي توفر سبل الحياة الكريمة للنساء والأطفال وكبار السن الذين ماتوا جوعاً ومرضاً في ظل الحصار المفروض عليهم لأكثر من 18 شهراً، مجددة الإشادة والتقدير لقيادة الحركة الشعبية على اتخاذها هذا الموقف التاريخي، معربة عن أملها في أن تتواصل مثل هذه المواقف الإيجابية، وأن تُدعم بقوة الإرادة والجدية والرغبة لتتطور إلى تفاهمات بشأن تحقيق السلام الشامل والمستديم، والذي يساعد في بناء المنطقة وتنميتها وتطويرها.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فقد انفتح شُبّاك الأمل على مصراعيه بوصول الطائرة المعنية إلى مطار كادقلي الدولي تمهيداً لانهمار مطر المساعدات والغوث الإنساني، وهي خطوة انشرحت لها أفئدة وقلوب الجبال والسهول والأدغال في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة لما لها من مألات إيجابية على واقع المعاناة الإنسانية التي ظلت ترزح تحت وطأتها المنطقة لأكثر من عام ونصف العام، وتبقى المساحات مخضرةً بسنابل التفاؤل بإمكانية تطوير المساعدات إلى تفاهمات تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار، والتقدم خطوة مهمة على طريق الإصرار، بتعزيز دعائم الأمان والسلام والاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى