الأعمدة

يا ود ابرق احمل التحية الى الوطن !!

فى الاسبوع الماضى اتحفنا الاستاذ الاديب البحراوى الجميل محمد سعيد الجيلى كالعادة بمقالة بديعة بعنوان ” قمرية فى الطائف” وهى قطعة ادبية رائعة تحكى عن الشوق و الحنين الى بحرى ذلك الوطن الجميل الذى دمرته الحرب , و بالامس وفى ساعات الصباح الاولى سمعت نقرا على زجاج نافذة غرفتى وكان شخصا ما يطرق الباب و يستاذن فى الدخول , وعند ذهابى لمعرفة مصدر الصوت فوجئت بطائر ود ابرق اللى ما بيغبانى بريشه البنى المائل الى السواد و هو يقفز بخفة ونشاط كعادته دائما من مكان الى اخر وكأنه جاء لالقاء التحية و ليذكرنى بايام جميلة فى ربوع الوطن الحبيب , وللطيور بصورة عامة لديها مكانة خاصة لدى الشعراء فهى تمثل القدرة على الوصول الى الاماكن العزيزة على النفس والتى لا يستطيع الانسان الوصول اليها ومع ذلك تظل روحه تهفو اليها , وصدق من قال ” الحنين هو الاشتياق الى قطعة من روحك موجودة فى مكان اخر” ومن اجمل هذه الاشعار هى قصيدة ” قصتنا” للشاعر الباذخ حسين بازرعة وغناء العملاق الراحل عثمان حسين والتى يقول فيها بازرعة ” كل طائر مرتحل عبر البحر قاصد الأهل حملته أشواقي الدفيقة
ليك ياحبيبي للوطن لترابه لشطآنه للدار الوريقة ”
وانشدها حسين بازرعة وكان وقتها مغتربا فى جدة فى السعودية و يتحرقه الشوق الى وطنه مدينة بورتسودان والتى تقع على الضفة الغربية للبحر الاحمر الذى يفصل بين جدة و بورتسودان وعندما راى اسراب من الطيور تطير غربا لم يتمالك نفسه وهاجت به الاشواق وانداحت شاعريته فانتجت لنا واحدة من اجمل الاغانى السودانية , وكذلك من اجمل اشعار الطيور و الحنين الى الوطن هى قصيدة ” الطير المهاجر” التى تعتبر واحدة من قمم الغناءالسودانى اذ انها جمعت بين الشاعر صلاح احمد ابراهيم و الامبراطور وردى عليهما الرحمة جميعا وفيها يبدع الشاعر و هو يخاطب الطير قائلا :
” وإن جيت بلادي
تلقى فيها النيل
بيلمع في الظلام
زي سيف مجوهر
بالنجوم من غير نظام
تنزل هناك وتحيي
ياطير باحترام
وتقول سلام
وتعيد سلام
على ..
نيل بلادنا
وشباب بلادنا ”
وبالنسبة لى فقد اعاد لى ود ابرق بزيارته الصباحية تلك اجمل الذكريات الى زمن الطفولة فى حى الختمية غرب حيث كنا نتنافس فى تسلق اشجار النيم العالية بخفة ورشاقة تحسدنا عليها حتى القطط وذلك للوصول الى اعلى مكان فى الشجرة نستطيع منه ان نرى بقية معالم بحرى حتى كوبرى النيل الازرق والبحث عن اعشاش و بيض ود ابرق وكنت احسب بأن ود ابرق هو طائر سودانى اصيل كاشجار النيم التى يحبها وذلك لتواجده الكبير لدينا فنحن نشاهده فى كل مكان تقريبا وخصوصا داخل منازلنا , ولكن بعدها عرفت ان ود ابرق طائر عالمى ويتواجد فى جميع انحاء العالم تقريبا و يسمى بالطائر الدورى و بالانجليزية Sparrow , واشجار النيم هى المكان المفضل لود ابرق وهى ايضا ليست سودانية الاصل ! بل هى هندية الاصل تنتمى الى بلاد شامى كابور و اميتشاب باتان و لم تكن موجودة فى السودان قبل العام 1921م حينما جلبها الانجليز الذين كانوا يحكمون السودان وقتها من الهند لتعمل كاشجار ظل و تخفف من شدة الحرارة فى السودان خلال شهور الصيف الطويلة . وكما ذكرنا بان ودابرق الذكر يمكن تمييزه عن الانثى بلونه البنى الغامق مختلطا ببعض السواد اما زوجته الانثى بت ابرق يسمونها ” عشوشة” ويمكن تمييزها بسهولة من الذكر بانها اقل حجما و لون ريشها رمادى فاتح , ويمكن تمييز ود ابرق بسهولة من رفيقه فى اشجار النيم طائر كداد الدواك ذو اللون الاسود و المنقار البرتقالى المتخصص فى اصطياد الحشرات و ديدان اليرقات ولا نعرف حتى الان من اين اتت التسمية ” ود أبرق” ففى عاميتنا السودانية الكثير من اسماء الحيوانات لانجدها فى بقية الدول العربية ولانعرف من اين اتت هذه التسمية وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ” الكديس” و ” العمبلوق” و ” المرفعين” و ” القعونجة”
وفى المرة القادمة سوف نحكى بعض الذكريات عن ودابرق و زوجته المصونة عشوشة .
والى اللقاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى