تحالف إيران والإخوان في السودان: جبريل إبراهيم يرسم ملامح نفوذ جديد. : د. عبدالمنعم همت ا
زيارة جبريل إبراهيم الذي يُعرف بخلفيته الإخوانية لإيران، لم تكن فقط بهدف إدارة الشؤون الاقتصادية، بل أيضًا لإعادة هيكلة قاعدته التنظيمية الحركة الإسلامية وفق رؤية تسعى إلى تمكين الحركة الإسلامية من مفاصل الدولة في السودان.
شهد الأسبوع الماضي زيارة وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم إلى إيران، حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين الإيرانيين، من بينهم وزير الاقتصاد، ووزير الصناعة، ووزير الخارجية. وتأتي هذه الخطوة في إطار تجديد الصلات بين البلدين بعد قطيعة رسمية دامت نحو ثماني سنوات. لكن، على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية منذ عهد حكومة البشير، إلا أن اللجان المشتركة بين الطرفين ظلت قائمة وتعمل بشكل غير رسمي، مما حافظ على وجود قنوات تواصل بين القيادات السودانية والإيرانية.
ومن الملاحظ أن التعاون بين إيران والسودان في عهد البشير لم يكن اقتصاديًا بقدر ما ركّز على الأبعاد العسكرية والأمنية والعقائدية، حيث سعت إيران إلى تعزيز نفوذها عبر قنوات تتصل بتكوينات مؤثرة في السودان، مما عزز أواصر التعاون الأيديولوجي والأمني بين البلدين. أما اليوم، فتأتي زيارة جبريل إبراهيم لتفتح المجال أمام إيران لاستعادة نفوذها، مستغلة الظرف السياسي الراهن في السودان لتقديم نفسها كشريك استراتيجي محتمل. ومن خلال هذه الزيارة، تسعى إيران لإيجاد المدخل المناسب لعودة نفوذها، ليس فقط عبر التعاون العسكري أو العقائدي، بل هذه المرة عبر التوسع الاقتصادي، ما قد يمكّنها من تعزيز وجودها بصورة أوسع وأكثر شمولية.
جبريل إبراهيم، الذي يُعرف بخلفيته الإخوانية وطموحه لخلافة حسن الترابي، يعتمد على موقعه في وزارة المالية ليس فقط لإدارة الشؤون الاقتصادية، بل أيضًا لإعادة هيكلة قاعدته التنظيمية وفق رؤية تسعى إلى تمكين الحركة الإسلامية من مفاصل الدولة. وفي هذا الإطار، ينظر إبراهيم إلى علاقاته المتزايدة مع إيران كوسيلة إستراتيجية لتطوير حلفاء دوليين، ما قد يسهم في إعادة تشكيل مسار السلطة في السودان. وبهذا التوجه، يتجاوز طموحه الاقتصادي ليشمل اتفاقيات أعمق عبر التشاور مع الإيرانيين في القضايا الإقليمية والدولية؛ ما يعكس رغبة إيرانية وسودانية مشتركة في إعادة صياغة التوازنات السياسية في المنطقة.
غير أن هذه المبادرات التي يقودها جبريل ليست استثنائية في حد ذاتها، بل تندرج ضمن مسعى أوسع من أطياف الإسلاميين في السودان لبناء شبكة تحالفات دولية تمكنهم من الصمود أمام المتغيرات الداخلية. فالصراع الداخلي بين التيارات الإسلامية السودانية يتخذ طابعًا مخادعًا، حيث يبدو في ظاهره تناغمًا، ولكنه يخفي وراءه توترات تتجسد في محاولات كل جناح لبسط هيمنته الخاصة من خلال بناء علاقات دولية مستقلة، لا سيما مع قوى مثل إيران وروسيا والصين. يسعى كل جناح لتدعيم نفوذه عبر هذه الشراكات، تحضيرًا لما يعتبرونه جولات صراع مستقبلية قد تعيد تشكيل موازين القوى داخل السودان.
هذا الانخراط في علاقات دولية متنوعة هو جزء من إستراتيجية طويلة الأمد تتبناها التيارات الإسلامية، حيث تستثمر هذه الجماعات في تعزيز اتصالاتها الخارجية استعدادًا لمرحلة جديدة من المنافسات التي من شأنها أن تحدد وجه السودان السياسي والاجتماعي.
د. عبدالمنعم همت
كاتب سوداني مقيم في الإمارات