ماضي الذكريات … الياذة الاغاني السودانية
كتب .دكتور عبد العظيم اكول
جلست ذات نهار شديد الحر في باحة الصندوق القومي لرعاية المبدعين والذي كان يقوم علي راس ادارته الصديق العزيز استاذنا سعادة اللواء الشاعر المطبوع الخير عبد الجليل المشرف وهو بلا شك الرجل المناسب في المكان المناسب لانه واحد من قبيلة المبدعين..يشعر بمعاناتهم ويقاسمهم الافراح والاتراح..وظللت اروح جيئة وذهابا واشعة الشمس الحارقة تحيط بي احاطة السوار بالمعصم..اجلس علي مرمي حجر من مدخل مكاتب رعاية المبدعين في انتظار توام الروح الشاعر المبدع مختار دفع الله لنذهب معا لمقر صحيفة السودان الحديث لتحرير الصفحة الفنية ..ممنيا النفس بتحليق غيمة تظلل السماء وتخفف علينا لسعات حرارة الصيف ..وعلي حين غرة وصل الشاعر الكبير الراحل المقيم الجيلي محمد صالح وهو يحمل (كيسا)ناصع البياض يحتوي علي مؤلفاته الباهرة..وقد اعتاد علي المجيء بها للتفاكر مع رصفائه من الادباء والشعراء الذين يجدون براحات كبيرة في مكاتب رعاية المبدعين لممارسة انشطتهم الابداعية..تهللت اساريره حينما راني اجلس كالسيف وحدي..وبيني وبينه محبة خاصة جدا..ويحلو له الحديث والكلام معي في شتي ضروب الفن والشعر والتصوير والتمثيل والموسيقي..وهي تلكم الفنون المشتهاة التي يكون بها غصن الحياة وريقا..والجيلي واحدا من رؤساء اتحاد شعراء الاغنية السودانية العظام قبل ان يفسح المجال من بعده للشاعر الفذ تاج الراس الراحل المقيم محمد يوسف موسي بحسه المرهف الفريد وحبه للشعراء من كل فج عميق..وماهي الا لحظات حتي اخرج الجيلي مجموعة من مؤلفاته الادبية والشعرية ..التي ابهرتني..ولاول مرة اعرف انه باحث في التراث السوداني ويمتلك مخطوطات شعرية وادبية باهرة بخط يده ..للاسف لم تخرج للناس حتي غادر هذه الدنيا الفانية راضيا مرضيا..فقد كان رقيقا تستخفه بسمة طفل وتتسلل دموعه بغير استئذان امام مشهد او حكاية مؤثرة..والجيلي تغني بشعره كبار المطربين في طليعتهم الهرم الراحل محمد وردي والراحل الكروان صلاح بن البادية والفنان المهندس في البريد والبرق صلاح مصطفي والعندليب الاسمر زيدان ابراهيم والفنان الذري ابراهيم عوض وغيرهم من كبار وشباب المطربين..خاصة الراحل عثمان مصطفي والذي تغني له باغنية (ماضي الذكريات)..والتي اعتبرها الياذة الاغاني السودانية لروعتها ودقة تصويرها وبلاغتها وهي اي الاغنية انعكاس طبيعي للموهبة الغير عادية لشاعرنا الراحل المقيم الجيلي محمد صالح..سالته..ماذا عن مناسبة هذه الاغنية..فاصح لي لاول مرة..قائلا..سافرت في ميعة الصبا الي دارفور وحتي الحدود مع دولة تشاد..وعدت بعد عدة شهور قضيتها هناك ..وعند وصولي علمت بانها تزوجت..وجادت قريحتي بالقصيدة التي مطلعها..
رحت في حالك نسيتني
واعتبرت الماضي فات
لما انت خلاص جفيتني
ليه بتحكي الذكريات
وهو عتاب رقيق للمحبوبة بان تكف عن الحكي حول الذكريات التي كانت قد جمعت بينهما..ثم صارت هباءا منثورا..بعد ان تزوجت محبوبته من اخر..وهي سنة الحياة..انت تريد..وانا اريد ..والله يفعل مايريد..وهنا تحضرني اغنيات تحمل نفس الاسواق مثل رائعة الراحل الشاعر هاشم صديق..يوم في يوم غربب..واغنية الراحل محمد يوسف موسي..
كلمتي المست غرورك وفرقتنا ياحبببي
مش خلاص كفرت عنها بي تسهدي وبي نحيبي
دي الليالي المرة عشتها وحدي في ناري ولهيبي
وبرضو ما رضيان تسامح ياصباحي وباطبيبي
واغنية الراحل بابكر الطاهر شرف الدين..
في الليلة ديك والناس تشارك فرحتك
حسيت باني غريب وغرببة انتي في دنيتك
حسيت معاني الفرقة حسيت بالوجود
ماخد ظلال من حنتك
وكذلك علي نفس النسق واللوعة والهجران اغنية الشاعر المرهف اسحق الحلنقي..
رحلتو بعيد نسيتو
الريد والحنان
الالفة الجميلة
والسعد اللي كان
لكن فرقتنا
اقدار الزمان
وكثير جدا من الاغنيات التي شكلت الوجدان السوداني عبر حناجر كبار وشباب المطربين ..وقد اوردنا تلك النمازج لا للحصر وانما تاتي في سياق مضمار الالياذة..التي تجلي فيها الراحل عثمان مصطفي..وهو يتغني بالكلمات الراقية في ابداع لايجاري..
لما تحكي ذكرياتنا
كنت تحكيها بامانة
كيف بدت وكيف انتهت
واتبددت قبال اوانا
وكيف امانينا الجميلة
حلت الاهات مكانا
رميتني في نيران صدودك
تاني ما بصدق عهودك
انا بحاول انسي ريدك
وانسي ماضي الذكريات
وهي لوحة زاهية بديعة باهية تتحدث عن نفسها وتخاطب الوجدان وتتسلل دون استئذان الي اغوار وخلجات النفوس التي ارهقها الوجد والجوي ونار الغرام..ثم يمتطي شاعرنا صهوة جواد الشعر الغنائي الاصيل..
ذكرياتنا مهما كانت
برضو ترديدا بيندم
كيف تردد ذكرياتنا
وانت عارف كيف تالم
وكيف بديت انت الفراق
ويوم الاقيك ما بتسلم
كفاية
اشوفك بي خيالي
واستعيد احلي الليالي
وابكي ايامي الخوالي
وابكي ماضي الذكريات..
رحم الله صديقي واستاذي الشاعر المطبوع المرهف الانسان الراحل المقيم الجيلي محمد صالح وهو من ابناء المديرية الشمالية ويمت بصلة الرحم للشاعر الراحل اسماعيل حسن ود حد الزين وكذلك تربطه صلة الرحم بالصديق العزيز شجرة المبدعين الاديب الاربب السفير الدكتور عبد المحمود عبد الحليم وسعادة السفير متزوج من شقيقة الراحل الجيلي محمد صالح..ولا غرو ان يكونوا موطنا من مواطن الابداع الشفيف في بلادنا..والتي يقول عنها الراحل اسماعين ود حد الزين..
بلادي انا
بلاد ناسا بكرمو الضيف
وحتي الطير بجيها جيعان
من اطراف تقيها شبع