رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

الحرب كابوس أطبق على حياة كافة أهل السودان فأحالها إلى خراب

خالد عمر يوسف
. لم يسلم شخص أو أسرة من أذاها وجرائمها، وكلما منّت أطرافها الناس الأماني باقتراب نهايتها، بدأ فصل جديد منها أشد قساوة من ذي قبل. الآن ونحن نكمل العامين منذ اشتعالها فإنه لا حقيقة أكثر وضوحاً في خضم هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالبلاد سوى حقيقة أنه لا حل عسكري للنزاع في السودان، وأن هذه المعاناة لا يمكن إنهاءها بمزيد من القتال، بل بتحكيم صوت العقل والجلوس لإيجاد مخرج سلمي منصف وعادل وشامل وحقيقي، يجعلها آخر حروب البلاد بحق وحقيقة.
الحل في أيدي السودانيين أنفسهم وليس سواهم. غفلت بصيرة الكثيرين عن ذلك بسبب ما خلفته الحرب من غبائن وغضب وفقدان، وهو أمر مفهوم للغاية، ولكن “فش الغبائن” لم ولن يكون مخرجاً من هذه الكارثة. لهذه الحرب أسباب عميقة ضاربة في جذور بناءنا الوطني السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي، وهي ليست أول حروبنا ولن تكون آخرها ما لم نضع أصابعنا على الجروح التي كانت ولا زالت موضع نزيفنا المستمر. المخرج في عقد اجتماعي جديد يتساوى فيه جميع الناس في الحقوق والواجبات ولا يميز بينهم على أساس الدين أو العرق أو الجهة، ويحظى أهل كل منطقة بخيرات النظام الفيدرالي الحقيقي الذي يمكنهم من حكم أنفسهم والانتفاع بثروات إقليمهم وما أكثرها في كل بقعة في السودان. هذا الأمر لن يتأتى إلا في ظل نظام مدني ديمقراطي يختار فيه الناس من يقودهم ولا يفرض شخص أو تنظيم نفسه بالبندقية، ويكون في البلاد جيش واحد مهني وقومي لا شأن له بصراعات السلطة والثروة، وتتوقف صناعة المليشيات والجماعات المسلحة التي لم يقد تناسلها سوى لدمار البلاد وتحطيمها. هذا المخرج يتنافى جوهرياً مع فكرة استمرار الحرب، فالحرب ستقود لنقيض كل هذه المعاني، وهي صنعة مجربة في السودان من قبل، فماذا ورثنا من حروب العقود الماضية سوى هذا الخراب؟!
استمرت حرب السودان -التي وصفها الإتحاد الأوروبي في بيانه الصادر أخيراً بالكارثة الإنسانية الأكبر في القرن الحادي والعشرين- وسط تجاهل عالمي واضح، وقبل أن نلوم أحد على ذلك، فجزء من المسؤولية يقع على عاتقنا كسودانيين أولاً حيث انعكست انقسامات الموقف من الحرب سلباً، مخلفة ضبابية في تسليط الضوء على هذه المأساة الفظيعة، وبعد عامين من هذا الدمار حان الوقت لنتفق حول الحد الأدنى وهو الرغبة في وضع حد لهذه الحرب الآن ودون تأخير.
مؤتمر لندن رفيع المستوى الذي دعت له المملكة المتحدة لفيفاً واسعاً من الحكومات والمنظمات الدولية لتنسيق جهودهم لإنهاء الحرب في السودان، هو فرصة مهمة بكل المقاييس لأن يسمع العالم صوت معاناة السودانيين وأن يتخذ تدابير تعجل بوصول الغذاء والدواء والمعونة لمحتاجيها داخل البلاد وفي منافي اللجوء، وأن تمارس أقصى الضغوط على أطراف الحرب لإيقافها، وأن يمتنع الجميع داخلياً وخارجياً عن أي فعل يطيل أمد النزاع ويزيد من وطأته.
نأمل أن تكون الذكرى الثانية لاندلاع الحرب نقطة تحول تعكس اتجاه التصعيد والاستقطاب الذي ساد العامين الماضيين، وأن تمثل لحظة للتدبر والتأمل في الحال والمآل. هذه ليست حرب غالب السودانيين، بل هي حرب شُنت للانتقام منهم وإذلالهم، والمخرج منها رهينُ بتحكيم صوت العقل واعتزال فتنتها ظاهراً وباطناً، وشق طريق جديد تعالج فيها التباينات بالكلمة لا بالرصاص.

زر الذهاب إلى الأعلى