رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأخبار

رحيل القمر المضئ علي قاقارين ( 3 )

FB IMG 1739978556366

FB IMG 1739978550837
طارق الشيخ
الرئيس علي قاقارين : كأس الذهب اللعين الذي أصاب الرياضة السودانية في مقتل . فكرة عنت للرئيس جعفر نميري المشجع المريخي بأن الوقت مناسب للمريخ الذي أحرز بطولة الدوري برقم قياسي لعامين مرة بدون هزيمة وفي الثانية بتعادل وحيد . ماجعل هذه النتيجة محفوظة في صفحات السجل الرياضي التاريخي العالمي الفيفا والاتحاد الأفريقي . وظن النميري أن الوقت مناسب لكي يبر ناديه المريخ بكأس غالية تظل محفوظة في خزائن المريخ . والحقيقة كان المريخ يعج وقتها بالنجوم وهجوم ضارب لامثيل له في السودان ( كمال عبدالوهاب – حموري الكبير – الفاضل سانتو ) هجوم قادر على دك دفاعات الخصوم . ولكن الحافز المعنوي ذهب الى الهلال والضغط النفسي من نصيب المريخ . وقد كان علي قاقارين على موعد مع السعد ماجعل جمهور المريخ يطلق عليه لقبا ( علي رزق ) . لكنه في الواقع كان حال غالب أبناء ذلك الجيل قد بلغ أعلى مراحل التطور الكروي الذي شهده السودان في تاريخه . وفي كرة القدم هناك مراحل من النضج يمر بها لعيبة الأندية والدول تبلغ ذروة علية تعقبها حالة من الجمود والإخفاق . السودان في تلك الأيام بلغ الذروة الرياضية بدأت بكرة القدم وانتقلت في ظل التنافس الرياضي المحموم الى كل قطاعات الرياضة . هذه الظاهرة امتدت من العاصمة الى كل مدن السودان فأصبحت الأنجم الكروية تشع في كل ربوع السودان . من ذلك كان الدوري في العاصمة لايحسم الا في أيامه الأخيرة . التنافس القوي بلغ درجة ان من الصعب معرفة من البطل ومن الهابط . متعة كروية لم تحصل من قبل في السودان . ونتيجة لذلك لأول مرة يقصي المنتخب السوداني نظيره المصري من على طريقه للفوز بشرف تمثيل القارة في أولمبياد ميونيخ ثم للمرة الثانية في أولمبياد مونتريال . في أندية القمة الهلال والمريخ من الصعب أن يختار المدرب تشكيلته لتقارب المستويات . ويجد مدرب المنتخب خيارات من المواهب لم تحدث في تاريخ الكرة بالسودان . كنا نتابع مباريات الدوري وتحسب الأخطاء من لاعبين مثل عبدالكافي في بري تكاد لاتجد له تمريرة خاطئة . السعادة الكروية في قمتها في كل الأندية الموردة بانجمها بشير عباس والصياد والنيل بشرفه وحمودة والتحرير بصخرته الفذة جيمس الخ .. الهلال والمريخ حدث ولاحرج هنا تحتشد النجوم وتحتشد المتعة كما لم يحدث من قبل . أحدث صانعي هذه المتعة الكروية علي قاقارين . أذكر أن أمين زكي قد تعرض لغضبة جماهير الهلال لمجرد إجابة في لقاء بمجلة الإذاعة والتلفزيون سألوه عن أخطر مهاجم وفي الواقع كان المفهوم من الخصوم ووقتها الهلال بثلاثيه المرعب جكسا وقاقارين والدحيش . قال كابتن أمين لاشك كمال عبدالوهاب والحديث كان مطلع السبعينات . قالها أمين لأنه اللاعب الوحيد حينما يضع الكرة بين قدميه يعصب عليك تحديد ماسيفعله بالكرة . تلك كانت براعة كمال الموهبة التي تشق طريقها في سماء الكرة السودانية مطلع السبعينات .
لحظات لاتنسى والهلال يقترب من الهزيمة بإستاد المريخ والمباراة في دقائقها الأخيرة مدافع المريخ حسين وداعة المصاب يطلب الخروج ويطلب من المدرب منصور رمضان المواصلة وهنا كان الذكاء الكروي إذ انتقل علي للعب أمام حسين المصاب ومن هذه الثغرة تمكن مع زميله الدحيش وفي لحظات من تغيير مسار المباراة وفقد المريخ ماكان رهينا بيده . علي قاقارين نجم لن يتكرر في سماء الكرة السودانية .
ومن على هذه القمة الكروية التي أحدثت ثورة حقيقية في الرياضة السودانية ومن أقدام علي ورفاقه في الهلال تحول الفرح الرياضي والتفاؤل الى أكبر مأساة في تاريخ السودان . حينما ضربت أهداف الهلال وعلي قاقارين الدكتاتور نميري في مقتل وأحس بأن الناس تحب غيره وتهتف في حضرته رئيسكم مين علي قاقارين . هي الحرب إذن هو الدمار الذي لم تستفق منه الرياضة السودانية الى اليوم .
لقاء أخير : سنوات كثيرة مرت منذ تلك اللحظة التي قتل فيها جعفر نميري أحلام الرياضيين بإعلانه الغاء الأندية وتجميد النشاط الرياضي بدأت أكبر عملية نزوح رياضي في التاريخ العالمي .
في الثمانينات التقيت بعلي وتعرفت عليه عن قرب وكنت ارأس تحرير صحيفة الميدان الرياضي . كان لدينا مشروع طموح لأجله قمنا بحملة هادئة بهدف تمكين نجوم الكرة من تولي المهام القيادية في الأندية وإبعاد السماسرة الذين تكاثروا على الأندية وغلبوا الطبع الرياضي واحلوا معه النزعة للشهرة والمجد الشخصي والإثراء على حساب الأندية وخاصة القمة في الهلال والمريخ . كنا نحلم يتأسيس مدرسة تدريب محلية تغني البلاد عن المدرب الأجنبي ولو إلى حين . وجدت الفكرة الحماس والقبول من عدة نجوم وقيادات رياضية أهمهم كمال شداد وكان رئيسا للاتحاد وسيد سليم وكان مدربا للمنتخب وأمين زكي وكان رئيسا للجنة التدريب المركزية وعلي قاقارين وعدد كبير من اللاعبين السابقين . التقيتهم وشرحت الفكرة وبدأنا الحملة وكان علي قاقارين من أكثرهم حماسة للفكرة . وكطبيعة التطور المتعثر والحلقات الشريرة وقع إنقلاب الجبهة الإسلامية وانتهى كل شيء وتفرقت بنا السبل .
في عهد النميري طويت صفحة الرياضة كما تشتهى في السودان لغضبة وحماقة من دكتاتور لايطيق أن ينسب النجاح لغيره ولايجد من يستحق الهتاف بأسمه ولو على الصعيد الرياضي غيره . لحظة النهاية والهزيمة لايشبهها الا لحظتين في تاريخ السودان الحديث أولاهما مقتل الخدمة المدنية بواسطة حكم الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي وإعلان التمكين واللحظة الأخرى هذه الحرب اللعينة التي أطلقها مجددا الكيزان عليهما اللعنات والتي قضت على كل ماهو جميل في السودان .
خاتمة :
في لقاء أخير مع علي كان هنا في الدوحة الهادئة بحضرة صديق عمره وزميله حيدر المشرف جمعتهما أمدرمان والكرة وافترقا أحدهما اختار الجيش والكلية مصنع الرجال والآخر اختار كلية أخرى للتربية . كتبت وقتها وقبل أن التقيه وفي العمود اليومي ( آفاق ) الذي كنت أحرره بصحيفة الراية القطرية مقالا بعنوان ( الرئيس علي قاقارين ) – مرفق – : ”
3:00 ص, الأثنين, 19 مايو, 2008
بقلم : د . طارق الشيخ ..حتي اللحظة لم التقيه برغم معرفتي بأنه موجود بين ظهرانينا هذه الأيام بالدوحة .. فهو مستغرق في بحثه عن مخرج للرياضة السودانية وكرة القدم علي وجه التحديد وشخصي غارق في الحوار اللبناني في الدوحة . كلاهما حوار وكلاهما يعرض لإشكالية حقيقية غير أن الحوار اللبناني مثير من حيث كون اللياقة اللبنانية العالية في الحوار ومنعطفاته وقسوة الكلمات التي ترشح ماوراء الغرف .
لكنه حوار هاديء وجميل وبروح رياضية علي الأقل حتي اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال . والحوار الرياضي السوداني اتابع مجرياته من علي البعد وان كنت منغمسا فيه منذ زمن طويل . آخر مرة أذكر كنت اجلس مع كابتن علي قاقارين والذي يعكس اسمه بشقيه بعضا من الاشكاليات السودانية في الاسم الذي هو في حقيقته غير الاسم فهو علي ولكنه حيدر . اما قاقارين فهو اسم له تاريخ جميل في جبين أجمل أيام الكرة السودانية ويؤرخ ضمن كوكبة رائعة من الرياضيين السودانيين في كل ضروب الرياضة الذين عاشوا وابدعوا في المنطقة الفاصلة بين الرياضة في عصرها الزاهي بل الأكثر زهاء وبهاء وجمالا واعظمها من حيث النتائج وهي المقياس الحقيقي للدرجة الرياضية ، وبين عصر الجماهيرية سيء السمعة أو قل عصر الكارثة التي ضربت الرياضة السودانية . علي او حيدر هو الشخص الوحيد الذي استحق ان يقال له الرئيس في تاريخ السودان وعن جدارة ” رئيسكم مين علي قاقا .
فقد اجتهد كلاعب وهو الجهد الوحيد الذي يحمل وجهين احدهما يتعب وآخر يسعد . ولسوء حظي فقد نالني منه اجتهاده التعب لأنني ” كادر سري في المريخ ” علي حد قول الاستاذ أدهم علي يوم دخلنا عليه مع الصديق المدرب نجم النجوم امين زكي . آخر عهدي بعلي يوم كنا نقارن بين لاعب الكرة وقتها في الثمانينات وفي ماقبل العهد الجماهيري .
يومها دخل د . محمد حسين كسلا وكان مساعدا لكوستيتش مدرب الهلال ويسمونه في الهلال كوستيك . وقدم كسلا درسا عمليا عن الفارق وكان فارقا تعليميا محضا وسيظل كذلك مؤثرا كما الوباء يضرب في جسد الكرة والرياضة عموما حتي اللحظة التي ينصلح فيها حال المدرسة . والغريب أن علاقتي بعلي كانت عبر شقيقه جعفر .
فقد منحني الصديق الدبلوماسي والشاعر محمد المكي خبرا رياضيا وبالصورة لأنشره في جريدة الصحافة وكان متعلقا بالكابتن علي لاعبا في اسيك أبيدجان يوم افتتاح استاد ساحل العاج . يومها لم يتوقف هاتف الجريدة عن الاشادة بالخبر ومطالبتي بالمزيد ..
كنت سعيدا بالخبر لأنه كان خبرا سعيدا لأسرته التي بقيت لبعض الوقت تتسقط اخبار حيدر حسن في الساحل الاخر من افريقيا . سألت الطيب سند مغتاظا من الهادي سليم بعد مباراة الذهب التاريخية وقلت لو كنت مكانه لما دخلت .. ورد ضاحكا أنا في الكنبة ماشفتها فكيف الهادي وهي أمامه كالقذيفة . صحت ايامك أيها الريس قاقارين فقد حلقت عاليا بين قلة قليلة من مهاجمي السودان بلغوا تلك القمة.”
التقينا بعد المقال بحضرة المشرف تقبل الأمر بضحكته الهادئة أهديته كتابي حول كرة القدم وتذكرنا الأحلام الطموحة المهدرة . كان عليه أن يسافر الى مقر عمله وقتها كسفير في الجزائر . علي قاقارين طعم الكرة السودانية كما تشتهى . قدم لوطنه بقدر ما استطاع . وغادرنا في هدوء كعادته رجل كنسمة جميلة وانطوت صفحة زاهية تستحق أن تروى للأجيال . رحمه الله أحب الناس فحفظوا مكانته عالية وبحب . ( نهاية المقال )

زر الذهاب إلى الأعلى