رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

نظام الكفالة تحت المجهر : فيلم حياة الماعز يثير الجدل

بقلم : المستشار : معاوية أبوالريش
نظام الكفالة هو نظام قانوني يستخدم في العديد من دول الخليج لتنظيم العلاقة بين أصحاب الأعمال والعمالة الوافدة ، وقد نشأ هذا النظام في منتصف القرن العشرين كوسيلة لتلبية إحتياجات التنمية الاقتصادية السريعة في تلك المنطقة ، وقد تعرض هذا النظام لانتقادات واسعة بسبب استغلاله للعمالة الوافدة وفرض قيود صارمة على حركتهم وحقوقهم .
وفي السنوات الأخيرة بدأت بعض الدول الخليجية في تنفيذ بعض الإصلاحات وذلك من أجل تحسين ظروف العمالة الوافدة مثل إلغاء نظام الكفالة في قطر وإجراء بعض التعديلات عليه في المملكة العربية السعودية .
مؤخرا أثار فيلم “حياة الماعز ” THE GOAT LIFE ” جدلاً واسعاً في السعودية والكثير من دول الخليج الأخرى وذلك بعد عرضه على منصة نت فليكس في يوليو 2024م ، الفيلم يتناول قصة حقيقية تعرض لها مهاجر هندي يدعى (نجيب محمد ) والذي كان قد شد رحاله في أوائل تسعينيات القرن الماضي صوب المملكة العربية السعودية بحثا عن فرصة عمل لتحسين حياته وحياة عائلته ، وبعد وصوله يكتشف أن الواقع مختلف تماماً عما كان يتوقعه ، حيث وجد نفسه يعمل في ظروف قاسية وغير إنسانية تحت نظام الكفالة ، حيث يتم استغلاله ومعاملته بشكل غير عادل . الفيلم يتتبع رحلة نجيب في محاولته للهروب من الجحيم الذي عايشه والعودة إلى وطنه .
الفيلم من إخراج “بليسي ” وهو مقتبس من رواية ” أيام الماعز ” للكاتب “بنيامين ” الإنتاج كان متميزا ، حيث تم تصوير الفيلم في مواقع حقيقية تعكس البيئة الصحراوية القاسية التي عاش فيها نجيب ، الإخراج كان ممتازا أيضا ، حيث نجح بليسي في نقل المشاهد إلى قلب الصحراء السعودية وجعلهم يشعرون بالعزلة واليأس الذي عاشه نجيب .
أداء بطل الفيلم ” بريثفيراج سوكوماران ” كان مذهلا ، حيث نجح في تجسيد معاناة نجيب بشكل مؤثر ، جعلنا نتعاطف معه بشكل كبير ، حيث إن التحولات الجسدية والنفسية التي قام بها هذا الممثل كانت واضحة وتنم عن براعته في تجسيد شخصية نجيب ، مما أضاف عمقاً للشخصية ، أمالا بول أيضا قدمت أداء قوياً ، حيث جسدت دور زوجة نجيب التي تعاني من بعده وتدعم رحلته للعودة الى أرض الوطن . الممثل العماني “طالب البلوشي ” قدم أداءً مميزا في فيلم “حياة الماعز ” حيث جسد دور الكفيل ، حيث أجاد البلوشي دور التاجر الجشع والقاسي الذي يستغل جهل العامل الهندي نجيب محمد بالقوانين واللغة ويدفعه للعمل في حظيرة أغنام في صحراء قاحلة وتحت ظل ظروف قاسية ، وقد جسد البلوشي دور الكفيل الذي يمثل الجانب السلبي لنظام الكفالة ، الذي يستغل العمالة الوافدة لتحقيق مكاسب شخصية ، أداء البلوشي كان مقنعاً للغاية بالنسبة لي ولكافة المشاهدين ، حيث نجح في نقل القسوة والجشع التي تميز شخصية بعض من الكفلاء وليس كلهم بطبيعة الحال ، والدور الذي جسده البلوشي أثار ردود أفعال متباينة ، حيث أعتبره البعض تجسيداً واقعيا لمشاكل نظام الكفالة ، بينما رأى آخرون أنه يساهم في تشويه صورة المجتمع السعودي والكفيل بوجه خاص أمام الرأي العام . وفي مقابلة خاصة مع إذاعة هلا أف أم العمانية ، أكد البلوشي أنه غير نادم على مشاركته في الفيلم ، وأتهم ما وصفهم “بالذباب الالكتروني ” بإستغلال الفيلم لتحقيق أهداف شخصية .
وفي يقيني أن دور البلوشي في الفيلم ساهم في تسليط الضوء على قضايا العمالة الوافدة ونظام الكفالة ، مما أثار نقاشات واسعة حول هذه القضايا ، والأداء القوي للبلوشي أضاف عمقاً للفيلم وساهم في نقل الرسالة الإنسانية التي يحملها . ولا أجد مبرراً مقنعاً للقرار الذي صدر بحقه بمنعه من دخول الأراضي السعودية ووضع إسمه على القائمة السوداء . حيث إن ما جسده البلوشي يعبر عن المعاناة التي تجدها بعض من العمالة الوافدة من بعض أصحاب النفوس القاسية كافة في دول الخليج وليست السعودية وحدها ، والتي لا يهمها سوى جمع المال باستعباد تلك العمالة وتسخيرها لتحقيق مطامحهم ومصالحهم الشخصية . والبلوشي كشف النقاب عن معاناة هذه العمالة .
الفيلم يحمل رسائل قوية حول معاناة العمالة الوافدة وظروفهم القاسية تحت نظام الكفالة ، ويسلط الضوء على الاستغلال الذي يتعرض له “البعض ، وليس الكل ” من هؤلاء العمال ويدعوا إلى ضرورة الإصلاح وتحسين ظروفهم . ويفتح أعين المشاهدين على واقع موجود ولا يستطيع أحد أن ينكره ويحث على التفكير في حقوق العمالة الوافدة وأهمية تحسين ظروفهم وأوضاعهم ، كما أنه يفتح أعين المسؤولين في كافة الدول التي تتبنى نظام الكفالة الى مشاهدة ما يتعرض إليه بعض من العمال الوافدين على أيدي بعض من الكفلاء ، وذلك من أجل سن القوانين التي تردع كل أشكال الاستغلال والجشع والطمع والقسوة والعبودية التي تطال بعض من العمال الوافدين .
الفيلم نجح في إثارة نقاشات واسعة حول نظام الكفالة وحقوق العمالة الوافدة على وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث تفاعل معه العديد من المشاهدين الذين عبروا عن تعاطفهم مع معاناة نجيب وقد دعا الكثيرين منهم الى إصلاح نظام الكفالة وإعادة النظر فيه ، كما أن الفيلم قد تناول في العديد من البرامج الحوارية ، مما يؤكد تأثيره الكبير على الجمهور .
“حياة الماعز ” ليس مجرد فيلم عن معاناة العمال الوافدين ، بل هو دعوة للتفكير في الظروف التي يعيشها هؤلاء العمال والدعوة الى تحسين أوضاعهم ، والفيلم كذلك يسلط الضوء على أهمية الإنسانية والعدالة في التعامل مع العمال الوافدين وهو عمل سينمائي مؤثر يستحق المشاهدة ، ليس فقط لجودته الفنية ، بل أيضا للرسالة الإنسانية العميقة التي يحملها . حيث أشاد بعض من النقاد بالفيلم لجرأته في تسليط الضوء على قضايا حقوق الانسان وظروف العمالة الوافدة ، كما ان الفيلم قد حصل على تقييمات جيدة من الجمهور ، حيث نال نسبة “85%” على موقع “روتين توميتور” و”8 من 10″ على موقع ” IMDB ” كما أثار الفيلم غضبا واسعا في المملكة العربية السعودية وبعض من دول الخليج ، حيث أعتبره البعض مسيئا ومبالغا في تصوير الاحداث ، كما أنتقده بعض من النقاد لاحتوائه على مبالغات درامية ولعبه على مشاعر المشاهدين بشكل يصل الى ابتزاز عواطفهم ” على حد وصفهم “

زر الذهاب إلى الأعلى