رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

المنوعات

صالوان ” امدر تايمز” الدكتور يوسف السياف بين دنيا المسرح و علم الفلسفة

 

اعداد : المغيره بكري

إن الحديث عن الفلسفة يستدعي بالضرورة استحضار تراث الفلاسفة العظام عبر العصور، من أرسطو حتى عصرنا الحاضر، مرورًا بكانط وهيجل وسبينوزا وغيرهم من أعلام الفكر. غير أنني أميل إلى تحليل خطاباتهم الفلسفية وربطها بالسياق الثقافي العربي، إذ إن جوهر الفلسفة يكمن في طرح الأسئلة. وعندما يتبنى المسرح هذا المنهج، يصبح خطابه فلسفيًا بحق. إلا أن التركيز المفرط على البحث عن إجابات نهائية – كما يفعل كثير من المسرحيين والفنانين – يُعدُّ خللًا منهجيًا، لأن الغاية من الفن ليست تقديم حلول جاهزة، بل إثارة الخيال وتحفيز التأمل عبر تفعيل آلية “التفكير النقدي”. وهذا ما تجسده الأعمال المسرحية الجادّة، حتى تلك التي ظهرت بعد الحربين العالميتين تحت تأثير منهج بريخت القائم على التساؤل وإثارة الوعي، وإن كنا لا نتعمق هنا في تحليل هذه النقطة.

IMG 8106

 

وفي صلب الإشكالية، نجد أن المسرح العربي يواجه معضلة التبعية الثقافية للغرب، حيث تنعكس هيمنته الفكرية على خطاباتنا الإبداعية. فحتى عندما سعى رواد التأصيل المسرحي – بعد نكسة حزيران وفي سياق القضية الفلسطينية – إلى صياغة هوية عربية أصيلة، وقعوا في فخ “التطبيع الثقافي” غير المقصود. فهم وإن تبنوا خطاب المقاومة والرفض للاحتلال، إلا أنهم استخدموا في حوارهم مع الآخر أدواته الفكرية والجمالية، مما أفقد خطابهم حِدَّته الثورية وحوّله إلى مقاومة ناعمة تفتقر إلى الخصوصية الحضارية.

IMG 8104

 

وإذا أمعنا النظر في مفهوم “المسرح العربي”، نكتشف أنه في كثير من تجلياته ليس سوى صدى لمسرح الآخر. فالنظريات الغربية – من الواقعية إلى الدادائية والرمزية والتعبيرية – قد شكّلت رؤيتنا الفنية، حتى عندما تناولت أعمالُ كبار المخرجين الغربيين (كبيتر بروك وبريخت وآرتو ويوجينيو باربا) الشرقَ، فإنهم قدّموه من خلال عدسة استشراقية مجتزأة، تفتقر إلى الفهم العميق لروحانيته الصوفية وأبعاده الأنثروبولوجية. فهم قد تعاملوا مع تراثنا كموضوع للدراسة لا كشريك في الحوار، وفقًا لمنطق فلسفي هيمني يعكس اختلال موازين القوة الثقافية.

ولمواجهة هذا الواقع، ينبغي لنا أن نعيد بناء خطابنا الفني انطلاقًا من مرجعياتنا الحضارية الأصيلة: لغتنا، تراثنا الشعبي، طقوسنا الاجتماعية، ورؤيتنا الفلسفية المتميزة. فالفلسفة الحقيقية لا تنفصل عن سياقها المجتمعي، كما أثبتت تجارب الحضارات القديمة من بابلية وأكادية وآشورية وفرعونية وإغريقية، حيث نشأت الفلسفة كحوار حي في الأسواق والفضاءات العامة قبل أن تتحول إلى نظريات مجردة.

IMG 8105

 

إن التحدي الذي يواجهنا اليوم يتمثل في صياغة خطاب جمالي فلسفي يتجاوز الوظيفة الاجتماعية المباشرة، دون أن يفقد صلته بالجمهور. فالفلسفة في أساسها بحث عن المعنى والكينونة، والمسرح الجيد هو الذي يثير الأسئلة الوجودية دون أن يسقط في فخ التعقيد المفرط. ولن يتحقق ذلك إلا بالعودة إلى جذورنا مع الانفتاح الواعي على الآخر، في توازن دقيق يحفظ لهويتنا أصالتها ويضمن لفننا حيويته.

زر الذهاب إلى الأعلى