متمردون وحكومة منذ ٧٠ عاما .. تدور في السودان حروب لم تتوقف .. بدأت في ١٩٥٥ ولا زال الرصاص منطلقا حتى هذه اللحظة..

٧٠ عاما والعالم من حولنا يتغير .. سياسيا واقتصاديا، وتتطور التكنولوجيا، وتتقدم العلوم .. والسودان في دوامة اسمها حكومة ومتمردون ..
وتبدأ القصة بمطالب يمكن حلها في دقيقة،ولكن تقابلها الحكومة بما تسميه الحل العسكري، وتتوعد بهزيمة التمرد في ساعة زمن، والساعة تطول لسنوات، تحرق فيها القرى ويقتل فيها الناس وترتكب فيها المجازر وبعد حين من الدهر .. يتفق المتمردون والحكومة، وتتشكل حكومة من الطرفين .. ويحتفلان باتفاق السلام، ونهاية الحرب .. وتدور الحرب من جديد وقبل أن يجف حبر الاتفاقيات ..
والسبب عدم تنفيذ الطرف الحكومي للاتفاقية،أو عدم رضاء جناح من المتمردين سابقا على القسمة الجديدة، أو بسبب خروج البعض من المولد بلا حمص .. ولكل هذا تشتعل الحرب من جديد ..
ويموت الالاف وينزح الملايين، وتغتصب النساء ..وتقول الحكومة للمرة الثانية بعد الألف أنها ستحسم التمرد خلال أيام، وسيصلي الرئيس صلاة العيد في عاصمة التمرد، وتذاع الاناشيد العسكرية في طابور الصباح المدرسي، وتتشكل الكتائب الجهادية ويساق الطلبة قسرا لجبهة القتال وإن رفضوا تطلق عليهم النيران وتقضي عليهم كما حدث في معسكر العيلفون ..وبعد سنوات من القتال يعود الطرفان لمائدة التفاوض .. يوقعان الاوراق وكل طرف ينال نصيبه من السلطة والثروة .. يخلع المتمردون اللبس الميري، والكدمول .. يلبسون البدلات الأنيقة .. يتحدثون عن السلام والوحدة الوطنية ..
وبعد برهة يتشاكس الطرفان ويأتي تعديل وزاري يطيح بالمتمردين القدامي، فيدخلون الغابة من جديد وتدور الحرب للمرة العشرين ..
ومن العجايب ان الحكومة التي توقع الاتفاقيات هي نفسها وصلت للسلطة عبر الانقلاب العسكري وليست بتفويض شعبي، وان المتمردين نفسهم لم تفوضهم مناطقهم للقتال نيابة عنهم ..وبالتالي فالاتفاقيات التي يعقدونها مثل تقاسم الغنائم وأما المتضررين في الحرب فان حالهم يسوء بعد كل اتفاقية .
وفي كل حرب تنعقد المحاكمات الكبري وتصدر عقوبات بحق زعماء المتمردين تصل للاعدام، وقبل توقيع الاتفاقيات يصدر العفو الرئاسي، ويصبح المحكوم عليهم سابقا بالاعدام نوابا للرئيس .. أو وزراء للمالية، والشيزوفرانيا حاصلة كما يقولون .
وفي كل اتفاقية هنالك بند طويل وعريض يسمى الترتيبات الأمنية، وهي ليست ترتيبات ولا يحزنون .. فكل قوة عسكرية تبقي تحت امرة قائدها القديم وبسلاحها،فليست هنالك ثقة متبادلة، ومنطق القوة هو الذي يسود بين الطرفين رغم الاتفاقيات ..
وبالتالي أفرزت الاتفاقيات مليشيات جديدة، وترهلت الحكومة لتستوعب كل ( المتمردين) وارتفعت الوزارات من ٩ الي ٩٩ .. وراح المال العام شمار في مرقة .
الحروب في بلادنا .. صراع على السلطة وكرسي الحكم، سودانيين قتلوا سودانيين للوصول للسلطة..
هذه الحرب ليست استثناء ولكن تبقي النهايات غير النهايات، والشعب سيقرر ختام المهزلة ..