
بقلم : معاوية أبوالريش
يعيش السودان اليوم مأساة حقيقية تتمثل في استمرار تأثير القوى السياسية التي ارتبطت بعقود من الحكم الاستبدادي والفساد المؤسسي. وفي قلب هذه المأساة نجد حزب المؤتمر الوطني المحلول وأنصاره الذين يواصلون ممارسة دور مدمر في المشهد السياسي السوداني، رغم سقوط نظامهم رسمياً.
” اختطاف المؤسسة العسكرية: من قوات الشعب المسلحة السودانية إلى حرس حزبي”
إن أخطر ما فعله أنصار المؤتمر الوطني المحلول هو اختطافهم للمؤسسة العسكرية السودانية وتحويلها من جيش وطني يدافع عن الوطن والمواطنين إلى قوة حزبية تعمل لحماية النظام ومصالحه الضيقة. لقد نجحوا على مدى ثلاثة عقود في زرع أذرعهم في جميع مستويات القيادة العسكرية، وحولوا الجيش السوداني إلى أداة قمع تستخدم ضد الشعب نفسه.
هذا الاختطاف لم يكن عملية عفوية، بل كان مخططاً مدروساً بدقة. فقد عمدوا إلى تطهير الجيش من العناصر الوطنية النزيهة، وزرعوا بدلاً منها قيادات موالية للحزب أكثر من ولائها للوطن. كما أنشأوا شبكات من المصالح المتبادلة بين القيادات العسكرية والحزب، حيث أصبحت المناصب العسكرية العليا مكافآت حزبية وليس مناصب مهنية تُمنح على أساس الكفاءة والخبرة.
والنتيجة كانت كارثية على المؤسسة العسكرية والوطن ككل. فبدلاً من أن يكون الجيش حامياً للشعب ومدافعاً عن الحدود، أصبح أداة لقمع المواطنين وحماية النظام الفاسد. لقد استُخدمت القوات المسلحة لقمع المظاهرات السلمية، وقصف المدنيين الأبرياء في المناطق المهمشة، وحماية شبكات التهريب والفساد التي يديرها أنصار الحزب.
“النفاق الديني: عندما يُقتل باسم الله”
إن الحديث عن فساد أنصار المؤتمر الوطني المحلول ليس مجرد اتهامات سياسية، بل هو واقع مؤلم عاشه الشعب السوداني على مدى عقود طويلة. هؤلاء الذين رفعوا شعارات الإسلام والأخلاق، مارسوا أبشع أنواع النفاق السياسي والاجتماعي، حيث كانوا يظهرون في المساجد للصلاة ويتحدثون عن التقوى والزهد، بينما كانت أيديهم ملطخة بالمال الحرام ونهب ثروات الشعب.
لقد شاهد السودانيون كيف تحول هؤلاء المنافقون إلى أباطرة الفساد، يأكلون أموال الشعب باسم الدين، ويستغلون المناصب العامة لتحقيق مصالحهم الشخصية.كانوا يدعون إلى الأخلاق والفضيلة، بينما يرتكبون الفواحش ويعتدون على الأعراض تحت ستار النفوذ والسلطة.
” جرائم الحرب: دماء الأبرياء على أيدي المنافقين”
إن جرائم هؤلاء القوم لا تقتصر على النهب والسرقة فحسب، بل امتدت لتشمل قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. لقد سفكوا دماء الأبرياء في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقمعوا المتظاهرين السلميين في الخرطوم وغيرها من المدن. كل هذا باسم الإسلام والشريعة، في تجسيد صارخ للنفاق الذي وصفه القرآن الكريم بأنه أشد من الكفر.
لقد استخدموا الطيران الحربي لقصف القرى الآمنة، وأرسلوا الميليشيات المسلحة لاغتصاب النساء وقتل الأطفال، كل هذا بأوامر من قيادات تصلي في المساجد وتتحدث عن الجهاد. أي جهاد هذا الذي يستهدف المسلمين الأبرياء؟ وأي إسلام هذا الذي يبيح سفك دماء المدنيين العُزل؟
” الشبكات الاقتصادية الفاسدة: نهب منظم للثروات الوطنية”
لم يكتف أنصار المؤتمر الوطني المحلول بالفساد العادي، بل أسسوا إمبراطورية اقتصادية فاسدة تمتد جذورها في جميع القطاعات الحيوية. فقد سيطروا على تجارة الذهب والبترول، وأنشأوا شركات وهمية لنهب عائدات الصادر، وحولوا البنوك إلى أدوات لغسيل الأموال وتمويل أنشطتهم غير المشروعة.
كما احتكروا تجارة الأراضي والعقارات، وباعوا أراضي الدولة لأنفسهم بأسعار رمزية، ثم أعادوا بيعها بأسعار خيالية. وأنشأوا شبكة من الشركات الاستثمارية التي لا تستثمر سوى في جيوبهم الخاصة، بينما يعاني الشعب من الفقر والجوع.
” تدمير التعليم والصحة: جريمة ضد المستقبل”
إن من أبشع جرائم هؤلاء القوم تدميرهم لقطاعي التعليم والصحة. فقد حولوا الجامعات إلى معسكرات حزبية، وطردوا الأساتذة المتميزين واستبدلوهم بالموالين للحزب. كما أهملوا المدارس والمستشفيات عمداً، لأن شعباً متعلماً وصحيحاً لن يقبل بحكمهم الفاسد.
لقد خرّجوا أجيالاً من الطلاب الجهلة المتعصبين، الذين لا يعرفون من الدين سوى الشعارات الجوفاء، ولا يفهمون من السياسة سوى الولاء الأعمى للحزب. وتركوا المرضى يموتون في المستشفيات المهملة، بينما يسافرون هم للعلاج في أفخم مستشفيات العالم على حساب الشعب المنكوب.
“استغلال الدين لأغراض سياسية: تشويه صورة الإسلام”
والمؤلم حقاً أن هؤلاء المنافقين ما زالوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، كما وصفهم القرآن الكريم في قوله تعالى: “الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً”. فرغم كل الدمار الذي أحدثوه في البلاد والعباد، ورغم كراهية الشعب السوداني لهم وممارساتهم، إلا أنهم ما زالوا يدعون أنهم أصحاب مشروع إسلامي وأنهم حماة الدين والأخلاق.
لقد أدت ممارسات هؤلاء القوم إلى تدمير صورة الإسلام في أذهان كثير من السودانيين، خاصة الشباب الذين رأوا التناقض الصارخ بين ما يدعونه وما يفعلونه. كما أدت إلى انتشار ثقافة الفساد والانتهازية في المجتمع، حيث أصبح النفاق وسيلة للوصول إلى الثروة والسلطة.
” المقاومة الشعبية والثورة: الشعب يرفض العودة للماضي”
رغم كل محاولات القمع والترهيب، إلا أن الشعب السوداني لم يستسلم. فقد خرج في ثورة ديسمبر المجيدة ليقول كلمته الأخيرة في وجه هؤلاء الطغاة. وبدماء الشهداء الطاهرة، نجح الشعب في إسقاط رمز النظام، لكن بقايا النظام ما زالت تحاول العودة بأشكال مختلفة.
إن الثورة السودانية لم تكن مجرد احتجاج على الأوضاع الاقتصادية، بل كانت رفضاً قاطعاً لمنظومة الفساد والنفاق التي جسدها المؤتمر الوطني. كانت صرخة شعب يريد أن يتحرر من براثن هؤلاء المنافقين إلى الأبد.
“الحرب الحالية: القوات المسلحة تقاتل لإعادة النظام البائد”
واليوم، تكشف الحرب الدائرة في السودان حقيقة مؤلمة، وهي أن القوات المسلحة السودانية التي اختطفها أنصار المؤتمر الوطني المحلول لعقود، ما زالت تحت تأثيرهم وسيطرتهم. فالحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع ليست مجرد صراع عسكري، بل هي محاولة من بقايا النظام البائد لاستعادة السلطة بالقوة، مستغلين سيطرتهم على قيادة الجيش.
إن ما يحدث اليوم يؤكد صحة ما حذرنا منه سابقاً، وهو أن هؤلاء القوم لن يتركوا السلطة بسهولة، وأنهم سيستخدمون كل الوسائل، بما في ذلك إشعال الحروب الأهلية، للعودة إلى الحكم. فالقوات المسلحة التي من المفترض أن تحمي الشعب والوطن، تحولت إلى أداة في أيدي فلول النظام البائد لاستعادة نفوذهم المفقود.
والمؤلم أن هذه الحرب تُشن باسم حرب الكرامة الوطنية، بينما الهدف الحقيقي هو إعادة نظام البشير وحزب المؤتمر الوطني المحلول تحت مسميات جديدة. إنهم يستغلون دماء الشعب السوداني ومعاناته لتحقيق أحلامهم في العودة للسلطة، تماماً كما فعلوا لثلاثة عقود من الزمان.
” التسلل عبر المؤسسة العسكرية: الخطة الأخيرة للعودة”
لقد فشل أنصار المؤتمر الوطني المحلول في العودة للمشهد السياسي من خلال البوابات الخلفية التقليدية، فلجأوا إلى الحل الأخير: استخدام نفوذهم المتبقي في المؤسسة العسكرية لفرض إرادتهم بالقوة. وهذا ما يفسر الحرب الحالية التي تدمر البلاد وتقتل الأبرياء، كل هذا من أجل إعادة النظام الفاسد الذي رفضه الشعب وثار ضده.
إن خطر هؤلاء القوم لا يكمن فقط في إرثهم الماضي، بل في استمرار قدرتهم على التحكم في مفاصل الدولة الحيوية، وخاصة المؤسسة العسكرية. فهم يملكون الخبرة والمال والشبكات، وما زالوا قادرين على تحريك الأحداث وإشعال الفتن لتحقيق مآربهم الشخصية على حساب الوطن والمواطنين.
” الحل الجذري: الإقصاء الكامل ضرورة وطنية”
إن السودان لن ينهض ولن يتعافى إلا بإقصاء هؤلاء الفاسدين نهائياً من المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي. لا يمكن بناء دولة عصرية ونزيهة بوجود من أفسدوها لعقود طويلة. ولا يمكن تحقيق العدالة والتنمية بمشاركة من نهبوا ثروات البلاد وأفقروا العباد.
والحرب الحالية تؤكد هذه الحقيقة بوضوح. فهؤلاء القوم مستعدون لحرق البلاد وقتل العباد من أجل العودة للسلطة. إنهم لا يتورعون عن استخدام الجيش الوطني كأداة شخصية لتحقيق مآربهم السياسية، حتى لو كان الثمن تدمير الوطن بالكامل.
هذا الإقصاء يجب أن يشمل جميع المستويات: من القيادات العليا إلى الكوادر الوسطى، ومن المؤسسات الحكومية إلى الشركات الخاصة المرتبطة بالنظام السابق. كما يجب تطهير المؤسسة العسكرية من العناصر الموالية للنظام السابق، وإعادة بنائها على أسس مهنية وطنية.
” خاتمة: لا مكان للمنافقين في السودان الجديد”
إن الشعب السوداني اليوم أمام خيار تاريخي: إما أن يحسم الأمر نهائياً مع هؤلاء الفاسدين وإرثهم المدمر، أو أن يستمر في دوامة الفشل والانحدار. والحقيقة المرة أن أي تسامح أو تساهل مع هؤلاء القوم سيكون خيانة للأجيال القادمة وللشهداء الذين سقطوا من أجل تحرير البلاد من براثن هذا النظام الفاسد.
لقد حان الوقت لكشف حقيقة هؤلاء المنافقين أمام الشعب السوداني والعالم أجمع. حان الوقت لفضح ممارساتهم وتعرية أقنعتهم الزائفة. فلا يمكن أن نسمح لمن دمروا البلاد باسم الدين أن يعودوا مرة أخرى لممارسة نفس الأدوار المدمرة.
إن مستقبل السودان مرهون بخروج هؤلاء القوم وإرثهم الملعون من المشهد السياسي والعسكري نهائياً. وهذا ليس مجرد رأي سياسي، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها لأي نهضة حقيقية في هذا البلد العريق. فالسودان يستحق قيادة نظيفة صادقة، لا منافقين يقتلون باسم الله ويسرقون باسم الوطن، ولا جيشاً يقاتل من أجل إعادة الطغاة إلى السلطة.
والحرب الدائرة اليوم هي آخر محاولاتهم اليائسة للعودة، وهي اختبار أخير للشعب السوداني: هل سيسمح لهؤلاء المنافقين بالعودة على جثث الأبرياء؟ أم سيقول كلمته الأخيرة ويرفضهم إلى الأبد؟