رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

(#هل حقاً يسعى البرهان إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية شرعية يتراضى عليها الجميع..؟أم لا يزال يقصد المراوغة بإنشاء حكومة صورية يسيطر عليها العسكر وتنظيم الإخوان مرة اخرى؟

✍🏻المستشار/مهيد شبارقة
من قبل اندلاع الحرب العبثية السودانية في أبريل 2023 ظل الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي يصرّح بشكل متكرر بنيته /تسليم السلطة لحكومة مدنية ويؤكد في أكثر من منبر أن القوات المسلحة (#لا تسعى للحكم بل تحرص على وحدة البلاد وأمنها وسلامة شعبها) ولكن بين التصريحات المتكررة والمواقف الفعلية يقف المشهد السياسي المؤلم في السودان أمام مفارقة حادة:
#فهل ما يطرحه البرهان يعكس نية صادقة للانخراط في عملية انتقال سياسي شاملة كما يزعم..؟ أم أنه مجرد خطاب تكتيكي يخفي نيته لتكريس سلطة عسكرية تحت ستار (حكومة مدنية توافقية تخضع فعليا لإمرة الجيش ومباركة تنظيم الإخوان المسلمين العائد تدريجيًا للمشهد…؟
#اولا: بين الكلمات والأفعال واقع لا يطمئن:
فمن الناحية الخطابية قد تبدو بعض مواقف البرهان متوافقة مع شعارات الانتقال الديمقراطي فقد تحدث في أكثر من مناسبة عن /ضرورة التوافق الوطني وعن /قيام انتخابات نزيهة بل وذهب في بعض خطاباته إلى التأكيد على /عدم رغبة القوات المسلحة في الاستمرار في الحكم إلا أن الوقائع على الأرض منذ ما قبل اندلاع الحرب وحتى اللحظة تقدم دليلاً مغايرا لحديثه المكرر إذ لم تتخذ أي خطوات ملموسة لتفكيك البنية السلطوية العسكرية على موارد الدولة أو لإطلاق حوار سياسي صادق جامع يتأسس على إرادة السودانيين بمختلف أطيافهم…!!
بل على العكس فإن السلطة العسكرية الحالية ظلت تميل بوضوح إلى /إقصاء كافة القوى الثورية والمدنية الحقيقية والاعتماد بدلاً منها على تحالفات قبلية وجهوية وواجهات مدنية موالية وأذرع إعلامية وأمنية محسوبة على النظام البائد..!!
وهذا المسار لا يمكن قراءته إلا في سياق السعي لإعادة إنتاج سلطة عسكرية هجين تُلبس لبوس /المدنية قولا بينما تدار في الواقع من قبل أجهزة /عسكرية و/أمنية بسلطات نافذة من اعوان تنظيم الاخوان المسلمين..!!
#ثانيا: لماذا يخشى البرهان من حكومة السلطة المدنية الحقيقية..؟
لعل أحد أهم أسباب هذا التناقض في مواقف البرهان يعود إلى القلق الدائم لدى المؤسسة العسكرية من فقدان امتيازاتها التاريخية وخوفها من خضوعها للمحاسبة على بشاعة التجاوزات التي وقعت في ظل سلطة الحكم العسكري لا سيما تلك المرتبطة بانقلاب 2019 ثم انقلاب 25 أكتوبر 2021 وأخيرًا مجازر الحرب العبثية المستمرة التي عصفت بالسودانيين في دارفور والخرطوم ونيالا وغيرها فالسلطة المدنية الحقيقية القائمة على /دستور متوافق عليه و/مؤسسات منتخبة و/سلطة قضائية مستقلة تعني بالضرورة /إعادة هيكلة الجيش و/محاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات وهو ما لا يبدو أن المؤسسة العسكرية بما في ذلك البرهان مستعدة له
وبالتالي فإن الدعوة إلى (حكومة مدنية توافقية) وفق منظور السلطة لا تتعدى كونها محاولة لتشكيل كيان إداري يضفي على الوضع الراهن شرعية شكلية دون أن يحدِث تغييرا حقيقيًا في توازن القوى أو يسمح بقيام دولة القانون والمؤسسات..!!
ثالثا: عودة الإسلاميين… من بوابة الجيش للمرة الثانية أمرا لاتخفيه الاعين:
من المؤشرات المقلقة التي تعزز فرضية (المراوغة لا /التسليم)هو الصعود المتزايد لعناصر معروفة محسوبة على النظام البائد والذين باتوا يظهرون تدريجيا في مفاصل السلطة سواء عبر الإعلام أو الفضاء السياسي أو حتى الإدارة المدنية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش وقد وثقت جهات مستقلة ومراقبون محليون عودة مؤتمرات /اللجان الشعبية و/الاحتفاء بوجوه كانت ذات دور محوري في منظومة الإنقاذ بل أصبح الخطاب السياسي الرسمي يميل تدريجاً إلى استخدام ذات المصطلحات القديمة: (أمن الوطن/الهوية الإسلامية/محاربة العملاء) وهي عبارات كانت جزءاً من أيديولوجية تنظيم الإخوان المسلمين في السودان وهذه العودة لا يمكن فهمها بمعزل عن التنسيق غير المعلن بين قيادات داخل الجيش وتيارات الإسلام السياسي الساعية لاستثمار الحرب لإعادة إنتاج سلطتها تحت حماية السلاح وبعناوين فضفاضة مثل /الوحدة الوطنية و/الوفاق القومي.
#رابعا: مسرحية الحكومة التوافقيةمن يرضى بمن؟
فالحديث عن /حكومة مدنية يتراضى عليها الجميع قد يبدو في ظاهره منطقياً ومقبولاً في سياق وطن جريح يحتاج للحد الأدنى من التوافق لكن السؤال الجوهري هنا:
#من هم الجميع الذين يراد رضاهم..؟
#ومن يملك حق الفيتو في هذا التراضي..؟
#وما طبيعة التمثيل الذي تبنى عليه شرعية هذه الحكومة المنتظرة…؟
في كل المبادرات التي طُرحت مؤخراً لم تكن قوى الثورة الحقيقية وعلى رأسها لجان المقاومة وتنظيمات المهنيين المستقلة طرفاً حقيقياً في الحوار والانكأ من ذلك انهم محاربون في ابسط ادوارهم كالتكايا بل بدا أن من يتم التحاور معهم هم إما /جماعات مسلحة على أطراف النزاع أو/تيارات تقليدية موالية أو /عناصر من النظام السابق يعاد تدويرها ضمن صفقات سياسية وأمنية..!!
وعليه فإن “التراضي” هنا لا يعني إجماعاً وطنياً بقدر ما يعني /تقاسماً للسلطة بين العسكر والإسلاميين وبعض المتحالفين معهم من القوى التي لاتمثل المزاج الشعبي ولا تحمل تفويضاً ديمقراطياً.
#خامسا: ماذا يريد السودانيون حقاً..؟
فالسودانيون ومنذ ثورة ديسمبر المجيدة قالوا كلمتهم بوضوح: (دولة مدنية /سلطة منتخبة /جيش وطني محترف و/محاسبة لكل من أفسد أو قتل أو سرق) وهذه المطالب ليست قابلة للتفاوض أو التجميد أو التأجيل وهي أيضاً لا تنسجم مع أي محاولة لفرض حكومة بلا تفويض أو تحالف سلطة وسلاح أو استنساخ للأنظمة الشمولية السابقةوفي ظل التدهور الاقتصادي والانهيار الإنساني وغياب الخدمات واستمرار الحرب فإن أي تأخير في تسليم السلطة أو أي محاولة للالتفاف على مطلب الدولة المدنية سيقابل عاجلاً أم آجلاً برفض شعبي وقد يعيد إشعال الشوارع من جديد وربما بحدة أشد خصوصا بعد اشعال الحرب.
#الخلاصة: النوايا لا تكفي:
في السياسة لا تُقاس الأمور بالنوايا ولا تكفي التصريحات الفضفاضة لإقناع شعب ذاق مرارات القهر والاستبداد وحتى يثبت العكس فإن ما يطرحه الفريق البرهان حتى الآن لا يخرج عن كونه مجرد/محاولة للمراوغة السياسية لا لتسليم حقيقي للسلطة.
فالخطاب المنمّق لا يعوّض غياب الجدول الزمني للانتقال ولا يُقنع الشارع في ظل التمدد العسكري وعودة كاغة رموز النظام السابق واحتكار القرار من قبل فئة ضيقة تتحكم بمصير ملايين السودانيين دون شرعية لذا إن الحكومة المدنية التي يطلبها السودانيون لا تُبنى على /الترضيات بل على الإرادة الشعبية والشفافية والديمقراطية وكل ما عدا ذلك لا يُعدو كونه /حيلة أخرى من حيل الحكم العسكري التي تعيد تدوير الأزمة بدلًا من حلها.

زر الذهاب إلى الأعلى