
✍🏻 المستشار/#مهيد شبارقة.
لسنا بحاجة إلى مزيد من المقابر الجماعية لنفهم أننا أمام حرب لا عقلانية لا وطنية ولا مخرج منها دون اعتراف حقيقي بالأسباب التي فجّرتها وبالمصالح التي تؤججها حتى اللحظة وبالضمانات التي يجب أن تُبنى لوقفها…
لا ليُسكت السلاح فحسب بل ليصمت الخراب ذاته.
هكذا يمكن تلخيص المشهد السوداني في عامه الثالث من الحرب العبثية التي انفجرت في 15 أبريل 2023 وما تزال تمزق جسد الدولة والمجتمع على السواء فهل كانت هذه الحرب حتمية..؟ ومن المسؤول عنها…؟
والأهم: كيف نوقفها…؟
وهل ما زال ممكناً إيقافها أصلاً في ظل ما نراه من انهيار سيادي شامل وتدويل متزايد للمأساة…؟
#أولاً: جذور الحرب… تراكمات لا انفجارات مفاجئة
لا يمكن فهم ما جرى في أبريل 2023 باعتباره انقساماً مفاجئاً بين جيش و/دعم سريع إنما هو نتيجة منطقية لانهيار النظام السياسي السوداني منذ سقوط المخلوع بل قبل ذلك بكثير.
فشل النخب المدنية في بناء مشروع سياسي متماسك بعد الثورة مقابل تصميم عسكري مزدوج على الاحتفاظ بالسلطة أو في أقل تقدير الحفاظ على امتيازاتها.
فالحرب إذن لم تنفجر بسبب خلاف تكتيكي بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان و/قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) حول الترتيبات الأمنية بل كانت انعكاساً لصراع عميق على من يرث الدولة لا من يبنيها.
وكان يمكن تجنب هذه الحرب لو أن المجتمع المدني توحّد على مشروع سياسي جامع ولو أن القوى الدولية تعاملت مع السودان كدولة في طور التشكل لا كأرض مفتوحة لمشاريع المحاور المتضادة.
#ثانياً: لعنة التواطؤ الدولي والإقليمي :من السذاجة أن نتصور أن الحرب الجارية بلا دعم خارجي فأطراف دولية وإقليمية بعضها يدّعي الحياد ظلت تسلح وتموّل وتستثمر في تمزيق السودان على مدى سنوات تحت لافتات مختلفة:
من /محاربة الإرهاب إلى /دعم الانتقال الديمقراطي إلى /تحقيق الاستقرار الإقليمي.
لقد لعبت بعض العواصم دوراً مركزياً في تحويل السودان إلى ساحة تصفية حسابات:
بين روسيا والغرب وبين مصر والإمارات وبين أطماع الذهب والنفوذ وبين صمت الدول الإفريقية وعجز المنظومة العربية وفي كل هذا تُرك السودانيون وحدهم عراة في وجه الجوع والموت…!!!
#ثالثاً: تعرية “الشرعيات الكاذبة:
لعل من أبرز معضلات هذه الحرب أن كل طرف يزعم تمثيل /الشرعية فالجيش يتحدث عن حماية الوطن من المليشيات والدعم السريع يطرح نفسه منقذاً من ذ/الكيزان وكلا الطرفين يدمر البلاد باسم الوطن وحماية الشعب…!!
بلغة أوضح: لا الجيش يمثل دولة قانون ولا الدعم السريع يمثل ثورة وكلاهما على الأقل الآن غارق في معارك النفوذ والموارد والمعركة لا تدور على سيادة دولة بل على مقار حكومية منهوبة ومدن مدمرة ومنافذ عبور لتهريب الذهب والبشر…!!
#رابعاً: وقف الحرب… لا يكون بالنيات بل بالضمانات
فوقف الحرب لايمكن أن يكون مجرد اتفاق نوايا بين طرفين دمّرا البلاد فالحل لا يكمن في مفاوضات ثنائية بين البرهان وحميدتي بل في عملية سياسية شاملة ذات أبعاد إقليمية ودولية تقوم على:
١/وقف فوري لإطلاق النار بضمانات دولية صارمة تشمل رقابة على الأرض لا مجرد بيانات شجب.
٢/نزع سلاح شامل ومتدرج للطرفين تحت إشراف أممي وإفريقي يمهّد لإعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية.
٣/محاسبة جنائية عادلة على الانتهاكات الكبرى من مذابح الجنينة إلى اغتصابات الخرطوم مهما كانت هوية الجناة.
٤/مؤتمر سلام وطني شامل لا يُقصي أحداً ممن لم تتلطخ أيديهم بالدم ويضع خارطة طريق جديدة لإعادة تأسيس الدولة.
٥/دعم دولي حقيقي لإعادة الإعمار مرتبط بإصلاحات سياسية واقتصادية وليس مجرد ضخ أموال في جيوب الفاسدين.
#خامساً: هل يمكن للضمانات الدولية أن تكون حلاً….؟
في عالم مثالي ينبغي ألا تعتمد الشعوب على ضمانات الخارج ولكننا لسنا في عالم مثالي وما دام النظامان العسكريان في السودان قد أفشلا فرص الحل الداخلي وصادرا كل ممكنات الانتقال المدني فلا مفر من تدخل دولي منظم غير انتهازي يفرض حلاً لا يديره من خلف الستار.
فما نحتاجه ليس /مبعوثين و/مبادرات و/منصات بل /آلية دولية مستقلة برعاية /الأمم المتحدة و/الاتحاد الإفريقي تضع خطوطاً حمراء لأي طرف يخرق وقف إطلاق النار وتلزم الجميع بتقويم حقيقي لمستقبل الدولة لا البقاء في دوامة الجولات التفاوضية العقيمة.
#ختاماً:
الاعتراف أولاًثم يبدأ الطريق
لست تبغ طرف من طرفي الحرب ولست محايداً فأنا من أبناء هذا الشعب الذي رأى أحلامه تتبدد على وقع الرصاص وبيوته تنهب على يد من زعموا أنهم /حماة لكني أعترف أيضاً أننا كمدنيين فشلنا في حماية ثورتنا وخذلنا دماء الشهداء حين فرّطنا في وحدتنا وتصارعنا على الفتات
لكل من يصرخ /أوقفوا الحرب أقول:
الصوت وحده لا يكفي نحتاج إرادة دولية لكن قبلها نحتاج ضمير وطني يرفض الحرب كمبدأ ويعترف أن الدولة لا تُبنى على ركام الخراب ولا بظهور الدبابات ولا بذهب دارفور فيبدأ السلام حين نعترف جميعاً أن لا منتصر في حرب بين أبناء الوطن الواحد.