رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

اوهام الصمغ العربى والعقوبات الأمريكية

طارق عبد الكريم
في كل مرة تُفرض فيها عقوبات أمريكية على السودان، تتصاعد الدعوات داخل الأوساط السياسية والإعلامية السودانية لاستخدام الصمغ العربي كورقة ضغط اقتصادية ضد الولايات المتحدة، باعتبار أن أمريكا تعتمد عليه في عدد من صناعاتها الحيوية، وخاصة الصناعات الغذائية والدوائية. لكن مدى صحة هذه الفرضية يحتاج إلى فحص دقيق يستند إلى الواقع التجاري والإحصائي لا إلى العواطف أو الشعارات.
الولايات المتحدة بالفعل تُعد من كبار مستوردي الصمغ العربي في العالم، وتستخدمه شركاتها الكبرى مثل “كوكاكولا” و”بيبسيكو” وشركات الأدوية ومستحضرات التجميل. غير أن الحقيقة الأهم هي أن الولايات المتحدة لا تعتمد على السودان وحده في تلبية احتياجاتها من الصمغ، بل تستورد كميات كبيرة منه أيضًا من دول أخرى في إفريقيا، مثل تشاد ونيجيريا، كما أنها تحصل عليه عبر وسطاء أوروبيين مثل فرنسا وألمانيا، حيث يُعالج هناك ثم يُعاد تصديره إلى أمريكا في شكل مسحوق نقي جاهز للاستخدام.
صحيح أن السودان يُنتج أكثر من 70% من الصمغ العربي الخام في العالم، وهو ما يمنحه موقعًا استراتيجيًا في هذه الصناعة، لكن الولايات المتحدة في تعاملها التجاري معه لم تُبدِ يومًا اعتمادًا كليًا أو حرجًا استراتيجيًا أمام العقوبات، بل إنها كانت تستثني واردات الصمغ العربي من العقوبات المفروضة على السودان، كما حدث في فترة العقوبات التي امتدت حتى عام 2017، حيث أُبقيت تجارة الصمغ مفتوحة باعتباره مادة لا غنى عنها. هذا الاستثناء وحده يكشف أن أمريكا كانت تدرك أهمية هذه المادة وتُفضل استمرار تدفقها، لكنها في الوقت نفسه لم تكن عاجزة عن تنويع مصادرها.
القول إن أمريكا هي أكبر مستورد للصمغ العربي السوداني فيه شيء من المبالغة. الولايات المتحدة تُعد من كبار المستهلكين للصمغ عالميًا، لكنها تحصل على كميات كبيرة منه عبر أوروبا أو من دول أخرى غير السودان. وبالتالي، فالصحيح أن السودان يُعتبر منتجًا محوريًا عالميًا للصمغ، لكن أمريكا ليست مرتبطة به بشكل حصري أو لا يمكنها تجاوز الاعتماد عليه عند الحاجة.
في المجمل، المقولة التي ترى أن الصمغ العربي ورقة ضغط سودانية فعالة في وجه العقوبات الأمريكية تحمل بُعدًا عاطفيًا أكثر من كونها أداة حقيقية للضغط السياسي أو الاقتصادي. فالعلاقات التجارية تُبنى على مرونة السوق وتعدد الموردين، وهو ما أدركته أمريكا جيدًا منذ سنوات، وحرصت على تطبيقه بنجاح.

زر الذهاب إلى الأعلى