
تنظر القوى السياسية السودانية إلى المواقف المعلنة حتى الآن لرئيس الوزراء المكلف كامل إدريس، على أنها مواقف “عدائية” تجاه الأحزاب، وتحمل بين طياتها إشارات سلبية بأن المكونات الحزبية هي السبب الرئيسي في حالة التشرذم التي أصابت النسيج المجتمعي في البلاد، وهو بذلك يبرئ المكون العسكري من الاتهامات الموجهة إليه حيال ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.
وقال إدريس في خطاب له الأسبوع الماضي موجه للشعب السوداني إنه يعمل على تشكيل فريق وزاري من “التكنوقراط”، وكرر رئيس الوزراء مرارا بأن الحكومة الجديدة ستكون خالية من أي انتماء حزبي، معتبرا أن المرحلة الحالية لا تحتمل مشاركة القوى الحزبية.
وأغلق إدريس بذلك الباب أمام أي حوار مع القوى السياسية، ولاسيما المنتمية إلى القوى الرافضة للحرب.
ووجه عضو المكتب القيادي في التحالف المدني لقوى الثورة “صمود” عمر الدقير انتقادات حادة لتصريحات رئيس الوزراء بشأن تشكيل الحكومة المرتقبة، معتبرا أن طرحه “لا يعكس حجم الواقع السوداني المأزوم.”
وقال الدقير في مقال إن “خطاب رئيس الوزراء المُعيّن وكأنه كُتِب ليُناسِب دولةً أخرى أو لحظةً قادمة، لا السودان في هذه اللحظة التاريخية الرّاعِفة.. فالخطاب يقدم تصورا لحكومة تكنوقراط تعمل في ظروف دولة مستقرة، تمتلك مؤسسات فاعلة، وبيئة آمنة، وتحظى فيها الحكومة بشرعية غير مُختلَف عليها وسيطرة كاملة على أراضيها مع حرية حركتها فيها.”
ولفت الدقير إلى أن قول رئيس الوزراء عن الاعتماد على التكنوقراط و”الابتعاد عن المحاصصة الحزبية” يصوّر العمل السياسي كجريمة مستترة، وهو ما وصفه بأنه تناقض جوهري مع أسس الحكم المدني والديمقراطي.
واعتبر القيادي في التحالف المدني أن مشاركة الحركات المسلحة في الحكومة المنتظرة تتنافى مع مبدأ الابتعاد عن المحاصصة، موضحا أن هذه الحركات تُمثّل كيانات ذات طابع سياسي واضح، شأنها في ذلك شأن الأحزاب التقليدية.
وأشار الدقير إلى أن الخطاب السياسي لرئيس الوزراء “مفارق للواقع السوداني”، لافتا إلى أن حديث إدريس “يتجاهل حقيقة الانهيار الاقتصادي، وتفاقم أوضاع النازحين واللاجئين، ومأساة الحرب المستمرة في البلاد”.
ومضى نحو شهر على أداء رئيس الوزراء السوداني المكلف اليمين الدستوري لكنه لم ينجح حتى الآن في تشكيل الحكومة الجديدة، وسط خلافات بين الفصائل والحركات المسلحة الموالية للجيش حول الحصص الوزارية.
وللتغطية على التعقيدات التي تواجهه، حرص إدريس في خطابه الأخير على التسويق إلى أنه من يملك زمام قرار التشكيل، وأنه لن يكرر نهج المحاصصة، ليقع لاحقا في تناقض واضح من خلال حديثه عن التزامه باتفاق جوبا للسلام، وهو ما يعني الحفاظ على حصة للحركات المسلحة في داخل الحكومة.
وقال إدريس خلال اجتماع الأحد مع الحركات المسلحة الممثلة في اتفاق جوبا، إنه حريص على الوفاء بالعهود وبالمواثيق، والتشاور والتراضي والحكمة، إضافة إلى الالتزام باتفاق جوبا للسلام.
وخصص اتفاق سلام جوبا 25 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء لصالح الحركات المسلحة، بينما تختلف أطراف الاتفاق حول تفسير المادة 8.3 التي تنص على “أن تحتفظ الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق بمواقعها التي حصلت عليها بموجب هذا الاتفاق إلى نهاية الفترة الانتقالية وتكون هي المعنية بتوفير البديل إذا شغر الموقع وفقا لشروط فقدان العضوية في الموقع المعني”.
وأبدت الحركات الموقعة على اتفاق جوبا والتي انخرطت في الحرب إلى جانب الجيش رفضها المساس بحصتها من المناصب الحكومية، وذهبت حد التلويح بالانسحاب من اتفاق السلام.
وحذر معتصم أحمد صالح، الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، في مقال له الأسبوع الماضي من حملة منسقة ضد اتفاق جوبا لسلام السودان، مسار دارفور تحديدا، بعد تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء.
وقال إن الحملة تعكس فهما ضيقا لاتفاق جوبا، وتعبّر عن نزعة إقصائية تجاه قوى الهامش، خصوصا أهل دارفور. وأكد أن اتفاق السلام ليس “محاصصة إثنية”، بل هو اتفاق جاء ثمرة نضال طويل من أجل العدالة والمساواة، وقد تضمّن آليات قانونية واضحة لتوزيع السلطة والثروة، أقرّتها الدولة ذاتها والمجتمع الدولي.
واعتبر معتصم أحمد صالح أن محاولة تصوير تمسك أطراف السلام باستحقاقاتها الوزارية وفقا لمنصوص الاتفاق على أنه ابتزاز سياسي، تنطوي على قراءة مغلوطة ومتحيزة، هدفها ترهيب هذه الأطراف والنيل من مشروعها، لتكريس هيمنة النخب المركزية على مفاصل الدولة، وحرمان قوى الهامش من الشراكة العادلة في صنع القرار.