
العنوان اعلاه مقتبس من عنوان لفيلم امريكي
من بطولة ليوناردو دي كابريو ( الماس الدموي) سلط الضوء على الحرب الاهلية في سيراليون ( 1991/ 2002 ) وكيف عملت الجماعات المسلحة على استخراج الماس وتهريبه الى اسواق الماس بلندن و بروكسل، مقابل تزويدها بالسلاح، الفيلم يتعرض الى عدة قضايا خاصة بحقوق الانسان والمدنيين ،مثل تعرضهم للقتل، حرق القرى، تجنيد الاطفال ،و السخرة…الخ من مظاهر رايناها في حرب السودان..كما يفضح الفيلم دور راس المال العالمي واستثماره في النزاعات المسلحة في الدول الافريقية بقية استنزاف مواردها….
حرب السودان ليست استثناءا، فكلنا يعلم ان الحرب المستعرة منذ عشرون شهرا هي حرب من اجل السلطة والثروة، وان اطرافها مرتبطون بدوائر راس المال العالمي والاقليمي ومصالحهما الاقتصادية والجيوسياسية، وقد سبق ان تطرقنا لتلك المصالح في مقال سابق بعنوان الاقتصاد السياسي لحرب السودان ..
في تقرير وافي اعده ثمانية من الصحفيين الاستقصائين، نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 12 ديسمبر الجاري..،التقرير بعنوان ( حمى الذهب تدفع كلا الجانبين في حرب السودان لاطالة امدها )..
التقرير يتحدث عن عامل واحد يساهم في استمرار الحرب وهو الذهب ، فرغم كل الاهوال والمعاناة التي سببتها الحرب ، فان الشئ الوحيد الذي ظل يزدهر اثناء الحرب هو تجارة الذهب، تصديرا وتهريبا ،بحيث ان انتاجه خلال العام الاول للحرب تجاوز كل مستويات ما قبل الحرب..
يشير التقرير الى تورط اطراف الحرب في استخدام الذهب لتمويل القتال وشراء الطائرات بدون طيار والصواريخ الحديثة..
فالدعم السريع عمد منذ الايام الاولى للحرب الى الاستيلاء على منجم جبل عامر الذي سبق ان تنازل عنه للحكومة نظير 200 مليون دولار وحصة معتبرة في الشركة السودانية للموارد المعدنية، ويشير التقرير الى ان جبل عامر شكل حجر الزاوية للامبراطورية المالية للدعم السريع،فوفقا لدراسة اجرتها منظمة المعونة السويسرية للتنمية فان الدعم قام خلال الفترة من 2012 الى2022 بتهريب ذهب الى الامارات وروسيا بلغت كميته 2500طن بقيمة تصل الى 115 مليار دولار !!! ساهمت في جعله قوة هائلة عسكريا ومنحته نفوذا سياسيا داخليا وخارجيا..
بعد اسابيع من الحرب سيطر الدعم على مصفاة الذهب الوطنية بالعاصمة ونهب سبائك ذهب بقيمة 150مليون دولار.، ويشير التقرير الى ان شهود وصور بالاقمار الصناعية ووثائق حصلت عليها صحيفة التايمز تؤكد ان الدعم كثف نشاطه الاستخراجي للذهب عبر شركة الجنيد ( وهي شركة تتبع للدعم وذات اغراض متعددة لكنها حصرت نشاطها بعد الحرب في مجال التعدين ) نشطت الشركة في 13 موقعا بمنطقة سونقو بدارفور ،في مساحة مئات الاميال المربعة ،التقطت هذه الصور خلال شهر نوفمبر الماضي ،كما يكشف تقرير سري قدم الى مجلس الامن ان ما قيمته 860 مليون من الذهب تم استخراجه من منطقة سونقو، يعمل فيه مئات العمال باجور زهيدة تحت تهديد السلاح،كما اكد صحافيون سودانيون من موقع ( عاين ميديا) زاروا المنطقة عن وجود موظفين روس في تلك المواقع..يتم تهريب الذهب للامارات من خلال عدة منافذ، تمت متابعتها عبر تتبع قائمة الرحلات الجوية الدولية، وكمثال لذلك رحلة تمت عبر مطار جوبا في 5 مارس الماضي…وخلال هذه الرحلات تظهر سلسلة من المنتفعين الفاسدين تشمل مجرمون ،امراء حرب ،جنرالات. قيادات باجهزة الاستخبارات،شركات طيران…الخ
بالنسبة للجيش فقد ركز على قصف مواقع المناجم التى استولى عليها الدعم ،وفي نفس الوقت كثف من انتاج الذهب في مناطق سيطرته،في كثير من الاحيان بالتعاون مع مع شركات اجنبية للقيام بالتعدين، خاصة الروسية،حيث يتم التفاوض على صفقات اسلحة مقابل الذهب وكذلك مع الصين، كما استمرت الشراكة مع زعماء خليجيين، من بينهم الامارات عبر شركة لها علاقة بالاسرة الحاكمة ( يجرى الحديث عن طحنون بن زائد ) تمتلك هذه الشركة اكبر منجم صناعي بالسودان يقع في منطقة سيطرة الجيش، ومن خلالها تحظى حكومة بورتسودان بجزء كبير من المال يساعدها في توفير احتياجات الجيش من الاسلحة، وهنا يشير التقرير الى وثيقة للخارجية الامريكية جاء فيها :
في نهاية المطاف ينتهي الامر بكل الذعب تقريبا في الامارات، الوجهة الرئيسية للذهب المهرب من السودان…..
يشير التقرير الى ان تقريرا للحكو مة ذكر ان البلاد انتجت خلال العام الاول للحرب 50 طنا من ااذهب، وهو رقم يفوق ما انتجته خلال العام قبل الحرب..و يرجح ان الكمية المنتجة قد تصل لاضعاف هذا الرقم بسبب التهريب واستغلال الشركات الاجنبية والمحلية لوضع الحرب في زيادة وتيرة التهريب..تحت رعاية قيادات نافذة..
نلاحظ ان التقرير يكشف ان بعض الدول والشركات المستفيدة لا تتحرج في التعامل مع كلا الطرفين المتقاتلين، مثل الامارات وروسيا،فالمصالح الاقتصادية هي الاساس لا المبادئ..كما ان هذا الدعم المزدوج يضمن للمستفيدين استمرار الحرب وبالتالي استمرار تدفق الذهب السوداني لخزائنهم، بخلاف الارباح الهائلة لمراكز وشركات تصنيع السلاح التي تظل بحاجة دائمة للحروب لضمان استمرارها و زيادة عائداتها..وهؤلاء هم تجار الموت كما قال السوداني البريطاني محمد ابراهيم(ممو) اما الاقتصادي سليمان بلدو فيرى ان الذهب يدمر السودان والسودانيين …
بالنسبة للماس الدموي ودوره التمويلي للحروب الاهلية في غرب افريقيا فقد انشات الامم المتحدة نظام شهادات معتمدة للماس الشرعي.. وتم تصنيفه كمعدن صراعي ..حدث ذلك بعد نهاية الحرب الاهلية بسيراليون..وهو امر يصعب تنفيذه بالنسبة للذهب ،لتركيبته الكيميائية في القابلية للانصهار والخلط مما يجعل من الصعب تتبعه…ومع الارتفاع القياسي للذهب مؤخرا فيبدو ان امكانيات المتحاربين في الحصول الدائم على الاسلحة سيكون متوفرا وحافزا للاستمرار في الحرب وهكذا يصبح ذهب السودان نقمة على شعبه ووجوده الان وقبل قرنين كان سببا في احتلاله التركي…
# ذهب _ السودان _يقتله