تبرير قرار المغادرة عند البعض !
الحرب هي استهداف يتهدد حياة الناس بكل معانيها ومبانيها.
فالخوف ابتعادا من عواقبها وميادينها ليس عيبا الا على الجندي الذي اختار مخاطر هذه المهنة الشريفة ناذرا روحه من أجل حماية وطنه وشعبه باذلا اغلى ما يملك بقناعة وبسالة وشجاعة .
و خطر الحرب كالفيل الاعشى. و الهائج لايفرق بين الجسد الكبير أو الشتلة الصغيرة فتجد الناس يهربون أمامه كالنعامات المهلوعة خوفا من الهلاك وحبا للحياة تاركين كل اشياءهم الثمينة واملاكهم الغالية وديارهم التي تعبوا عقودا في انشائها وترتيبها حلما بالاستقرار والطمأنينة وتظل وراءهم الذكريات العزيزة حزينة تذرف دموع الحسرة و أصداء نواح فراق الجيران و الحبان تتردد مابين فجوات لعلعة الرصاص وهدير المدافع وازيز الطائرات .
ولكن كل ذلك المتاع الزائل يصبح التخلي عنه قدرا مفروضا وليس اختيارا مترفا أمام غلاوة الروح وحلاوتها رغم صعوبة التلويح للوطن من خلف الدخان وانت تراه يحترق ولا تدري ان كنت متى ستعود له أو منى سيتعافى من حروفه الأليمة وما أوجعها عليه وعلى من بغادره إذا كان ذلك الحريق بفعل ابنائه وليس بيد عدو كانت ستتوحد إرادة الجميع وتبقى لصد عدوانه مهما كانت كلفة التضحيات .
قرار المغادرة في هذا الظرف الاليم هو تقدير شخصي يحدده من يتخذونه وفق ظروفهم المتباينة و الخاصة كل يجرد حساباته الشخصية ايا كانت وضعيته الاعتبارية .
ولكنك تعجب لمن يصفون مغادرة الآخرين فرارا و هروبا و خيانة للوطن و تخليا عن المبادئ الأخلاقية بينما يلتمسون لأنفسهم اعذارا تبرر قرارهم بالمغادرة وكأنه مثل هجرة الصحابة نائيا بدينهم الحنيف من شرور الكافرين !
بالامس قرأت لكاتب معروف بتلون المواقف تبعا لبوصلة مصالحه الذاتية وقد برز للعيان عبر غفلة من الزمان .
فكان قد سخر قلمه الباهت المداد يوما ما ليس ببعيد وهو يطنب في مدح حميدتي واصفا إياه برجل المهام البطولية وحصانها الرابح لتلك المرحلة التي قننت فيها الانقاذ وشرعن رئيسها المخلوع لما اعتبروه قداسة دور قوات الدعم السريع التي دللوها على حساب كرامة المؤسسة العسكرية الوطنية التي جعل منها أهل النظام مسخا أمام تلك المليشيات المصنوعة وقد مجدوها حتى صدق قائدها تلك الكذبة وقال متباهيا بمحاولة اذلال كرام الساسة واساطينها حينما حذروا من خطورة تبنيه ..وانتشى مهللا أنا صاحب الرصة والمنصة اسجن من يمسني بكلمة و أصدر امري بإطلاق سراحه متى ما أردت !
بالامس انقلب ذلك الكاتب على عقبيه دون خجل ولحس ما قاله فيه من شعر المتنبي لكافور الاخشيدي و اخذ يذم حميدتي ناسيا كل مدحه القديم ..بل ذهب يهاجم من اعتبرهم قد فروا من ساحة المعركة بعد اندلاع الحرب وسمى بعضهم باعتبارهم من المحسوبين على قوى الثورة وبدأ يقارن بين ما أسماه هروبهم الجبان في قواقل الإخلاء بل وطفق يمجد في مغادرته بالامس متحدثا من القاهرة التي ربطها بمعارضته ويا الغرابة والعجب لبيان مفاوضات جدة وكأنه أحد من يملكون المقدرة على فركشة تلك المفاوضات الهادفة إلى لجم جنون هذا الصراع الدامي المدمر ..ليعطي نفسه دورا فضفاضا البسه قامته القصيرة وجسده المتناهي الصغر بعقليته الذبابية توهما بأهمية يتمناها خارج الوطن حيث لم ولن يجدها أن هو بقي فيه أو عاد إليه بعد أن غادره هاربا جبانا من عاقبة توقف الحرب وقد ارادها من هم وراءها من سادته بأن لا تتوقف لانهم كما يظنون جهلا و غرورا أنهم خلقوا ليحكموا الكون أو من بعدهم الطوفان !