الأعمدة

جراحات ما بعد الحرب !

الحروبات في كل زمان ومكان ومنذ الازل وبغض النظر عن مسبابتها واختلاف اطرافها ومهما طالت امادها او قصرت وسواء كانت بين دولة مقابل اخرى او تحالف واسع ضد الآخر او حتى كانت اهلية بين ابناء الوطن الواحد او بين عشائر منه فيما بينها فإنها تنتهي عادة اما بانتصار طرف او بالاستسلام من فريق لخصمه او بالجلوس إلى طاولة التفاوض وهو امر يحدث حتى في كل تلك الاحتمالات لترتيب مرحلة ما بعد ان تضع الحرب اوزارها .
وقد يتسامى الاطراف فوق جراحات الحرب الآنية التي قد تندمل ظاهريا فوق سطح الاجساد ولكنها تترك من ذكريات الفقد الاليم جراحات من نوع مختلف وعميق في النفوس تظل تتحرك اوجاعها لاسيما كلما استيقظ لهيب الغبن الذي يرقد وميضا تحت رماد الاسى الدفين والحسرة الممضة .
وتلك هي اخطر الجراحات المستديمة التي لا تبرا بصلح التصافح او تغلق حوافها توقيعات الاتفاقات التي تفرضها كل حالة ..واقصد هنا تبعات الحقد الخفي الذي يترسب في المكونات الاجتماعية فيفرز المزيد من النظرات البغيضة ويسكب سموم الكراهية المقيتة وهذا ما نخشى ان تتركه هذه الحرب التي بدات تلوح في تصرفات عصابات التمرد والاطراف المستفيدة من الفوضى الماثلة الان والكثير منها في المشهد العام و التي تنم عن حقد طبقي من جنود التمرد الذين وان بعض الظن ليس إثما احيانا.
فهم يعتبرون انفسهم مضطهدين من الفئات الحضرية التي يرونها تنعم بحياة لا يمتلكون عناصر قوامتها في مناطقهم الطرفية وهو احساس يرقى إلى العنصرية و يدفع حتى من يعيشون في اطراف وهوامش المدن المختلفة للقيام باعمال اقرب الى الانتقام الممنهج منه إلى حالة الفقر و الحاجة الماسة التي تجعلهم يسرقون مضطرين ..بل وقد شوهدوا يقومون باتلاف ما لم يكن بمقدورهم حمله على قارعة الطريق او يعمدون إلى حرق المتاجر او تحطيم اثاثات المساكن بعد نهب ما استطاعوا اليه سبيلا او احتلالها بعنجهية و تحدي استقواءا بالسلاح وهي ظاهرة غريبة ربما لم تشهدها كثير من حروبات ازمات السياسة التي اجتاحت الاقليم في السنوات الاخيرة الا ما ندر !
نسال رب العباد الكريم ان تذهب عنا هذه الحرب بجراحاتها التي تنهش في جسد هذا الوطن المعتل وان لا تترك من تراكم الجراحات التى ترقد تحت اورام النفوس وان يخمدها التسامح الصادق ويمتص قيحها الوعي الاصيل و تزيل آثارها مسحة يد الزمن الحانية و ان نستفيد كلنا من دروس هذه الحرب وما سبقها في إعادة ترتيب صفنا الوطني من جديد وعلى اسس قوية .
لان حقيقة الصراع الحالي و افرازاته تقول أن لا غالب ولا منتصر فيها والكل مهزوم لان المصاب واحد و الجرح مقسم في كل انحاء جسد الوطن .
نسال المولي الشافي المعافي ان يبرا دون ان يخلف آية جراحات في النفوس المكلومة .
وهو من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى