رؤى متجددة : أبشر رفاي / من قلب حمم الحرب قراءة حول تحديات السلم الإجتماعي في السودان .
????يؤطر الفكر السياسي المتقدم السلام في ثلاث مستويات متكاملة السلام الشخصي الخاص ويعنى به سلام وسلمية الفرد كوحدة أساسية في حركة المجتمع الخاص والعريض ودرجة إيمانه بمبدأ السلام المتجمعي وثقافته ، ثم السلام الإجتماعي وهو سلام يبحث في خيارات وضمانات فرص السلام والوئام الإجتماعي ، ثم السلام السياسي وهو يتعلق بالبحث في فرص سلام البيئة السياسية ، ولو لا أن الفضائية السودان قد تطرقت لهذا الموضوع وفي هذا التوقيت المهم من خلال أحد برامجها الهادفة برنامج ويبقى الأثر لم أكن على الأطلاق أرغب في التطرق والطرق على موضوع محددات وتحديات ومهددات السلم الإجتماعي في السودان لأنه هو الملف الأخطر والأهم ضمن سلسلة ملفات أخرى ربما بلغت العشر ملفات لاتقل عن ذلك أهمية ولكنه من الغير المناسب الحديث عنها الآن وحرب الفتنة المركبة مشتعلة .
إن قضية السلام الأجتماعي والمجتمعي هي ليست قضية حصرية عندنا في السودان والمجتمع السوداني وإنما هي قضية شعوب وأمم والبشرية جمعاء ، وبتالي تبقى مسألة ترقية وتطوير العلاقات المجتمعية حيثما وجدت تعتبر قضية لا تعلوها قضية طالما أن الوجود البشري على ظهر البسيطة قائما بالأساس على قواعد البنية المجتمعية والتي تقوم عليها أيضا الحضارات والدول وحركة أنفاس الحياة وفعالياتها المتعددة ، هذا ومن المهام الوظيفية الأستراتيجية للسلم والوئام المجتمعي بناء وتعزيز العهود والعقود والمواثيق والأعراف التقليدية السمحة التي تدفع بإتجاه تنقية وفلترت وترقية علاقات المجتمعات والشعوب والأمم وصولا إلى أعلى مراتبها مرتبة التعارف والتعرف والعرفان وأنسنة أوجه الحياة ، فلن تستطيع المجتمعات والشعوب بلوغ تلك الدرجة العالية الرفيعة في سلك الترقي البشري إلا بتخطيها كمية الحواجر والهواجس الفطرية والفكرية والمكتسبة المرتبطة بالعنصر البشري ، مثال حاجز التشفير فالأنسان مخلوق مشفر بأكثر من شفرات متدرجة بدأ بالتشفير الذاتي ، ثم الهواجس النفسية فالناس أهبطوا بعضهم لبعضهم عدو إلا بإستثناءات اخلاقية محددة فالإنسان عدو لربه ولنفسه ولأخيه الإنسان وعدو ما يجهل ويتجاهل وهذه من أساسيات الكراهية الفطرية والتي من مظاهرها كراهية الإنسان لأخيه الإنسان دون أي سبب ومبرر واضح ، ثم يأتي دور عقبة الحواجز كالعنصرية والعرقية والإثنية والقبلية والطبقية والجهوية وغيرها من المفاهيم والممارسات الإجتماعية التي تضع الشعوب والأمم والمجتمعات فى خانات العلو الصغير والكبير والدونيات بشتى درجاتها الانحدارية . وفي السياق وللأسف الشديد الناس من واقع ووقائع التجربة البشرية الفطرية وبموجب الديانات والفكر البشري قسموا أنفسهم قسمة ضيزى ما أنزل الله بها والفطرة الإنسانية السليمة من سلطان قسموها إلى طبقات ومستويات ، لقاء كل مستو من تلك المستويات مخصصات وإمتيازات إنشأت بوضع اليد وبموجب سياسية الأمر الواقع خصما على المستويات الأخرى ، مثال مستوى شعب الله المختار ، وشعبه المخير ، والمغوار ، والخيار ، والمحتار تلك التقسيمات المعلن عنها والمبطن هي سر أسرار تعقيدات فرص الحياة الإنسانية الكريمة ومعيقة لأي جهود عاملة في مجال تطبيع وأنسنة الحياة عبر مشروع العدالة الإنسانية المستدامة القائمة على أساس قواعد الفضيلة والفطرة الإنسانية السليمة ، وبتالي أي كلام اليوم حول صناعة وجلب وتوطين الديمقراطية والشورى والعدالة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وغير ذلك من الأعمال في ظل سيادة تلك البيئات والتصنيفات والأجواء لن تفلح ولن تكون هناك اي نتائج إيجابية مرجوة ، صيح تسمع ضجيجا ولا ترى طحينا ، وتزرع زروعا ولا تحصد إلا نكدا .
من سخرية القدر المجتمع السوداني في قلب هذه المعمة المأساة بتصنيفاتها الخطيرة بل في بعض الأحايين اعمق من ذلك ، مثال اذا كانت المجتمعات تعاني من تحديات حاجز القبلية والعشائرية المنغلقة على نفسها المجتمع السوداني زاد علي ذلك بعصبية اولاد الراجل الواحد الذي مات وفهم أولاده بأنهم هم الأصل والأرجل ، يحدث ذلك للأسف الشديد اليوم داخل العشيرة والقبيلة الواحدة ناهيك عن تعدد القبائل . يضاف إلى تلك الحقيقة المرة حقيقة أخرى أمر منها وهي فإذا كانت المجتمعات على ظهر البسيطة تعاني العنصرية عقليات ونظرة ومفاهيم وسلوك شيطاني مستلف من شياطين الجن ، فإن بداخل مجتمعنا السوداني يوجد من هو يعاني من حاجة أسمها التمفصل العنصري وهو ممارسة العنصرية بتذاكي وذكاء معين داخل تنوع مجتمعنا تتم ممارستها في المعاملات الإجتماعية الدقيقة والحساسة والمسكوت عنها من المنازل حتى المقابر وللأسف الشديد يستغل فيها قيم ومعاني الدين والدين القيم عنها براء هذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها أبدا ومن يفعل فهو إما منافق ومنافقة او من دعاة وعصاة الفكرة المريضة ، إذن مثل هكذا تحديات لن تعالج الا من خلال عزيمة وجهود كبيرة تناسبها ، جهود مجتمع ودولة في آن واحد ، فكل محاولات الأئمة والدعاة والوعاظ بجانب جهود مدارس الثقافة المدنية المجتمعية الحديثة لن تفلح في معالجة هذا الواقع الخطير المكير ، خذ على سبيل الأمثال اول ملحمة قومية وطنية تحررية في وقت الحارة قبل الأستقلال وبعده كانت ملحمة هدفها الأساس السلام والوئام الإجتماعي السوداني كأساس متين للمقاومة وللبناء الوطني فتغنى الجميع في ذلك الوقت الباكر بالقومية النبيلة ضد عصبية القبيلة لم يتخلف عن ذلك أحد ولكن وللأسف الشديد حينما أتت الباردة تفرق الجميع أيدي سبأ لشهدوا منافع لهم عبر ادوات الحواجز والهواجس التي أشرنا إليها ، بل في المقابل نجد أن الحكومات المتعاقبة مابعد الإستقلال والذين ضدها قد وظفوا تلك التناقضات ونقاط الضعف داخل وظفوها إلى أقسى وأقصى درجة للأغراض السياسية الفاسدة ، فلم تفلح أي منها في إبتدار مشروع مجتمعي عريض لتجديد وتأكيد عقد أجتماعي جديد حتى يكون درعا للوطن وأساس متين للدولة وحكوماتها المتعاقبة ، فترك الجمل بما حمل الأمر الذي جعل المجتمع والدولة والوطن يدفعون ثمن نقاط الضعف المجتمعي يدفعونه غاليا .
صحيح في تجربتين عظيمتين في ظل النظام السابق قزمت في وقت لاحق بواسطة العقليات والممارسات السياسيةالأنتهازية القاصرة مثل تجربة التخطيط الإجتماعي التي ذهبت بإتجاه المخططات الإجتماعية المسيسة فتراجعت الفكرة من سعة التخطيط إلى قيودات بعده الفني كالرعاية والتنمية والضمان الإجتماعي كلمات حق يراد بها باطل في غياب مفهوم ومشروع التخطيط الإجتماعي السليم ، ثم ضاعت فرصة الحوار الوطني المجتمعي التاريخي حول الحقيقة والمصالحة الذي ضل طريقه نحو المصالح الإجتماعية الضيقة ، بل حتي في ظل التغيير فأن التعقيدات الإجتماعية المشار إليها قد ظلت حاضرة وبقوة في كل الإتجاهات والمراحل فكل الشعارات ومظاهر الإحماء والإحتماء والحميمية الإجتماعية التي ظهرت في المليونيات والوقفات الإحتجاحية وحيث إحتساء القهوة والشيشات وتجمعات طق الحنك وشعاراتها ومشاعرها أينما وجد هي مجرد شعارات ومشاعر للأغراض السياسية التعبوية الاستقطابية الإستدراجية ليس إلا والدلائل كثيرة لا يسع المجال لذكرها .
نحن المجتمع السوداني يا السادة الأئمة والدعاة ورواد الفكر المدني وأدعيائه صحيح تجمعنا الحارة أم رمادا شح ولا يتخلف عن ذلك أحدا خاصة عندما يبلغ الأمر مرحلة تهديد الوطن والمواطن وكيان الدولة ولكننا عكس ذلك تماما عند الباردة ، تفرقنا أيدي سبأ خمس أشياء في ذروة الباردة وهي هوس الأصول العرقية ، المال ، السلطة ، النساء وهنا لا نقص القرب الشهراني وإنما البعد والعمق المجتمعي والإنساني عبر المصاهرات الواسعة فالنساء هن حبر الشعوب والأمم والرجال أقلامها والإثنان حقيقة يكتب عبرها سفر الإنسانية وتكاثر الشعوب والأمم ، ثم نختلف ونظهر حقيقة بعضنا تجاه بعض عند الغضب الشديد ، هذه الأشياء الخمس هي التي تحدد مستوى ودرجة العلاقات الإجتماعية وإستدامتها .فلذلك نختم القول بألأشادة الكاملة بروح التضامن والتكافل والحميمية التي تحلى وتجلت بها جميع مكونات الشعب السوداني في ظل الحرب اللعينة تجليات أجتماعية تكافلية حيرت الأمم حازمة هازمة كل صور وأساليب إستغلال نقاط ضعفنا التي أشرنا إليها في ظل الحرب العبثية لضرب نسيجنا الإجتماعي مدخلا إنتهازيا للحرب الأهلية الشاملة والتي فشلت فشلا ذريعا أمام التماسك والتكافل الأسطوري للتنوع القومي الوطني والجغرافي للشعب السوداني ، وحينما يأذن الله بأن تضع الحرب اللعينة يتوجب على الجميع الرجوع إلى منصة تأسيس الوطن لتشمل عشر محاور تأسيسية مرجعية تقريبا في مقدمتها مشروع العقد الإجتماعي البنيوي التأسيسي الجديد والذي يجب أن تسند مهامه وأعمالة ومسئولياته وقضاياه التاريخية والحديثة والمعلنة والمسكوت عنها تسند للمنظومات القبلية وإدارتها فنحن مجتمع مقومن في الظاهر ولكننا قبلي وأولاد الراجل الواحد في الباطن هذه الإزدواجية البنيوية لا تبنى مواطن ولا وطن ولا شعب ولا أمة بالصورة الحضارية الأنسانية المطلوبة فهي على الدوام ستظل مهددة بمهدداتها الكامنة طرفها وحين تصرفها ، ثم الكليات والمرجعيات الدينية بمختلف مصادرها ثم الجامعات ومراكز البحوث والدراسات ، ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة وأمانات الشئون الإجتماعية بالقوى السياسية ، وحكماء المجتمع من المشهود لهم عمليا وليس كلاميا بحكمة مكافحة الهواجس والهواجس المجتمعية المسيئة للقومية والوطنية والأمة والإنسانية ، حفظ الله البلاد من شرور الفتنة ومن سوء منقلب الكرب العظيم …