الإدارة الأهلية في السودان غابت عنها الحكمة والرشد
تطابق مذهل بين جرائم الإحتلال الصهيوني عند اقتحامها مخيم جنين في فلسطين المحتلة وبين جرائم مليشيا الدعم السريع المتمردة في السودان وفي العديد من المدن في القلب وفي الأطراف … المخطط واحد هو الإستيطان وتهجير الأهالي من مدنهم ومخيماتهم والزج بهم نحو المجهول … رغم ضراوة المعارك وعنفها وهمجيتها فإن المقاومة الفلسطينية الباسلة تصدت للهجمات البربريه في بسالة نادرة وافشلت مخططات حكومة العدو الصهيوني المتشددة والمتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الهارب من العدالة.
جرائم قوات مليشيا الدعم السريع المتمردة لا تقل همجية وبربرية عن الجرائم الصهيونية حيث يجري إنتهاك الممتلكات والمحرمات وتمارس القتل والترهيب الجماعي في بشاعة نادرة وكأن هذه المخلوقات التي قدمت إلينا من فضاءات بعيدة مكلفة بتدمير كل ما هو جميل ورائع ومدهش مثل ما فعل نظام الإنقاذ على امتداد ما يزيد على الثلاثة عقود بعد أن حول الوطن الجميل إلى شظايا وطن وتم عبر مخطط مدروس تدمير كافة المؤسسات التي يرتكز عليها الإقتصاد السوداني … الأخطر أن نظام الإسلاميين زرع قيماً هابطة ودمر الشخصية السودانية التي باتت رخيصة وتائهة.
التطابق بين همجية مليشيا الدعم السريع وبربرية الهجمات الصهيونية الغاشمة على أبناء الشعب الفلسطيني تؤكد اتساع المؤامرة التي تتمدد في الأفق السوداني لتخلق واقعاً جديداً عنوانه الإحتلال والإستيطان الجديد وتغيير الواقع الديموغرافي الهش الذي يستثمر في تناقضات الواقع الراهن ويذكي الكراهية ويعزف على وتر القبلية والجهوية والمناطقية.
أذهلني كما أذهل كثيرون غيري بيان الإدارة الأهلية بجنوب دارفور “مبايعتها لقوات الدعم السريع بقيادة الهالك محمد حمدان دقلو (حميدتي) “ومن شأن هذا الإعلان إعطاء مليشيا الدعم السريع دعماً كبيراً في حربه التي يخوضها ضد الجيش السوداني والتي اقتربت من يومها الثمانين.
وأكد المكتب التنفيذي لقبائل جنوب دارفور أنها تقف مع “الدعم السريع” في معركته الحالية تحقيقاً لما أسماه “إرادة الشعب السوداني وتطلعه للحكم المدني الديمقراطي” … ودعا المكتب في بيان مصور نشرته في وسائل إعلام محليه أبناء الجيش السوداني إلى “الإنضمام إلى قوات الدعم السريع والإنحياز لخيار الشعب”.
ومن القبائل الموقعة على البيان قبيلة الرزيقات العربية والتي تعد الأكبر في إقليم دارفور وهي القبيلة التي ينحدر منها “حميدتي” كما أعلنت قبائل “التعايشة البني هلبه والترجم والهبانية والفلاتة والمسيرية مساندتها للدعم السريع أيضاً وفقاً للبيان.
قرأنا كثيراً عن الإدارة الأهلية واستمعنا إلى سيرة العديد من قياداتها الحكماء المشهود لهم بالقوة والحكمة وبعد النظر وعايشنا نماذج لهذه الحكمة تمشي بين الناس عدلاً وسلاماً واستقراراً … فناظر القبيلة يمثل في الوجدان الشعبي الهيبة والأتزان وبعد النظر ولا يمكن أن يتبنى بياناً بهذه المغالطات والمضامين التافهه التي عوضاً عن العمل الجماعي العقلاني المدروس لصيانة الأمن وتحقيق الإستقرار في أرجاء الوطن العريض يسعى للحديث عن الديمقراطية والتحول المدني في وقت تنهب البيوت وتغتصب الحرائر وترتكب كل الجرائم التي يسائل عليها القانون.
كان الأجدر بنظار هذه القبائل وهي قبائل جديرة بالإحترام والتقدير ولها تاريخ مشرف أن تستنهض أبنائها للدفاع عن الوطن والعرض في مواجهة هذا الغزو البربري، وسيذكر التاريخ بمزيد من الخجل والخيبة سقطة هؤلاء النظار الذين باعوا الوطن في مرحلة تاريخية ومفصلية خاصة وأن أبناء هذه القبائل هم من أشجع رجال القوات المسلحة السودانية وعرفوا بالشجاعة والبسالة والعزة.
المؤامرة تتسع وامتدادات الأسلحة المميته تتسرب عبر الحدود لتضخم المأساه وتزيد معاناة الشعب السوداني.
المطلوب الآن هو التوجه نحو ما يوحد كل القبائل وإسقاط العنصرية والجهوية والمناطقية والقبلية والعمل من أجل إنقاذ وطن بات محتلاً بأفواج المستوطنين الجدد القادمين عبر الحدود.
ما زلنا نذكر بالتقدير والإحترام والإباء الأباء المؤسسين للإدارة الأهلية في دارفور وكردفان ونذكر منهم الناظر مادبو والناظر بابو نمر والمك دين مجوك وكل اللاحقين الذين ساروا على نفس النهج وكانوا ومازالوا خير سلف لخير خلف.
إن الوضع في السودان بات بالغ التعقيد وتشابكت الخيوط وتتواصل أيدي المؤامرات الخارجية لتخلط الأوراق وتكرس واقعاً جديداً في غرب السودان يهيئ الأجواء والظروف لتشطير الوطن بعد أن ضاع جنوبنا الحبيب في غفله من الزمن.
رغم التداعيات الكارثية لم يغب التيار الإسلامي المدحور عن المشهد حيث تعود رموزهم إلى الواجهة من جديد … وبالإضافة للراهن الكارثي فإن الوسائط الإلكترونية تواصل لعبة تدويخ الشعب بقدر هائل من الأكاذيب حتى بات المواطن البسيط في حيرة.
على نظار الإدارة الأهلية الموقعين على البيان السابق ذكره ان ينظروا إلى أهلهم الذين تفرقت بهم الدروب تجاه الحدود التشادية وأن يتكاتفوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في وقت باتت فيه لعبة الزمن سكيناً مشهراً فوق الرقاب.