الأعمدة

السودان … أليس بيننا رجل رشيد! هل نحن مسكونون باللعنة والخسران والتيه

 

بقلم/ بابكر عيسى أحمد

كثيراً ما أصاب بالغثيان وأنا أتابع ما يتم تداوله عبر الوسائط الإلكترونية حول الشأن السوداني … وهذا الذي يدور لا يخلو من العبث والسخف والتفاهة … كل موقع يسعى لتخوين الآخر ودمغه بأقذع الألفاظ والتي تصب في نهاية المطاف في الدفع بعجلة الوطن نحو متاهة عميقة ومظلمة وسحيقة … هذا السخف الممنهج الهدف منه إقصاء الآخر وإبعاده عن المشهد وكأن السودان إقطاعيه للمنبوذين واللقطاء وأطفال “المايقوما”.
حاولت كثيراً أن أنأى بنفسي عن هذا السقط الذي يدفع إلى العته والجنون، فمن غير المعقول أو المقبول أن نكون جميعاً لقطاء وساقطين وخونه، وليس بيننا شخص رشيد يمكن أن يدلنا إلى الطريق القويم، لا يعقل أن نكون جميعاً جهله وتائهين نبحث عن الحقيقة الضائعة من أفواه المعتوهين والذين يتوهمون أنهم يملكون الحقيقة، ويوزعون صكوك الغفران على كل من هب ودب ويسعى فوق التراب الوطني لتحقيق مآربه الرخيصة والدنيئة ليحدد لنا من الخائن ومن الصادق الذي يستحق وسام الوطنية ووشاح الشرف المسفوكة تحت أذياله دماء الأبرياء ودموع الضحايا وأنات الأمهات اللآتي أضناهن الجوع والخوف واضناهن المرض وانعدام الأمن والغذاء والطمأنينة.
السودان إلى أين في هذه المتاهات المظلمة، وكيف يمكن أن يتحقق الخروج ووقف أصوات الموت المتساقط فوق الرؤوس وعلى الجدران وداخل البيوت المهجورة التي خلت من أهلها هرباً وبحثاً للأمان الضائع والطمأنينة المفقودة.
أصبحنا مضغه في جميع الأفواه التي تسوي والتي لا تسوي، والأغلبية تتطلع للآتي في انتظار الغنائم من وطن يتشظى وأبناؤه لاهون في سجال سخيف وعقيم عبر الوسائط الإجتماعية، يتبادلون الإتهامات ويخونون بعضهم البعض لأغراض رخيصة، وأغلبها مدفوع الأجر وبعضها يحمل أحلاماً خاسرة بأن يعود لهم مجدهم الذائل الذي حول الوطن إلى حطام وكأن ثلاثين عاماً من الحكم العضود ليست كافية لإشباع نهمهم السلطوي المريض.
التاريخ سيسائل كل أهل السودان عن هذه الغفلة التي توشك أن تضيع وطناً يحمل في أحشائه عبق التاريخ وبطولات الأجداد ويتطلع بثقة واقتدار لمستقبل مشرق وباهر له ولأبنائه بعد سنوات الهوان والمذلة والتيه التي عاشها عبر الحقب العسكرية المتتالية منذ الإستقلال عام 1956 وحتى اليوم … نعيش سنوات من الديكتاتورية والقليل من رياح الديمقراطية التي تهب علينا عقب ثلاث ثورات مجيدة في الأعوام 1964 و 1985 و1919 ،،، وأنا اتساءل هل نحن مسكونون باللعنة والخسران والتيه.
الأكف المتطلعة والممدودة إلى عنقود العنب المتدلي بين العالمين العربي والأفريقي كثيرة، ومليارات الدولارات تسكب في الجيوب الرخيصة لشراء الولاء وبيع الوطن … حجم المؤامرة كبير والمتأمرون كثر سواء في الجوار أو في الأصقاع البعيدة وهم يستكثرون علينا وطناً غنياً بثرواته وبأهله وأبنائه الذين تسربت بهم الدروب وأصبحوا هائمين عبر الأصقاع يتطلعون إلى عودة محمودة وكريمة إلى وطنهم الذي هجروا ويهجرون منه.
علينا أن نوقف المهاترات التافهة عبر الوسائط الإلكترونية، وعلينا أن نتبنى صوتاً واحداً لا يخون أحداً ويدعو إلى وحدة الإرادة ووحدة الرؤية حتى ننقذ وطننا من هذا الغيهب، وهذا السرداب المظلم الذي لن يورثنا سوى العدم والندم والخسران.
على جميع القوى السياسية المدنية والعسكرية أن تتطلع إلى هذا الوطن الذي يتسرب من بين أيدينا ونحن ننظر عاجزين أن يأتينا الفرج من سماوات بعيدة أو من أصدقاء وأشقاء لم نعد نثق فيهم كثيراً فلكل منهم أطماع منظورة وغير منظورة.
مالم تنهض سلطة مركزية قوية في القلب وتبسط سيطرتها على الأطراف ووضع الأساس السليم لدولة عنوانها العدل والسلام والتعايش حتى يتحول هذا التنوع إلى ثراء مثلما حدث في الكثير من الأصقاع وحتى يشكل إضافه وقوة ترفد الواقع المعاش بالقوة والجسارة.
في ظل الظروف الراهنة لا يمكنني أن أبرئ أحد مما يحدث في السودان، فالجميع مسؤولون وإن تفاوتت درجات المسؤولية، وعلينا أن نستفيد من تجارب الشعوب والأمم التي عانت ما نعانيه، ومهما كانت التضحيات ومهما غلت الأثمان فإن السودان يجب أن ينهض من جديد، مارداً قادراً على الفعل وقادراً على العطاء وقادراً على التعايش مع الجميع بالندية والإقتدار والإحترام المطلوب.
الهوان الذي نعيشه والذي عشناه خلال السنوات الماضيه هو الذي اغرى حتى الصغار للتطاول علينا والعبث بمقدراتنا وبيع وشراء النفوس الرخيصه … ويجب أن نكون على ثقة أنه لا المبادرات الكثيرة بقادرة على انتشالنا من هذه الوهدة مالم نتوحد وأن نقف صفاً واحداً في مواجهة كل ما يهدد وجودنا.
أعود للتساؤل من جديد: أليس بيننا رجل رشيد يقود هذه الأمة إلى طريق الخلاص والعتق من المهانة والذل والمسغبة؟ كما أدعو مخلصاً أن نوقف هذا العبث الذي نمارسه ضد بعضها البعض في الفضاء الإلكتروني، فالأوطان تبنى بإرادة أبنائها وليس بالأصوات الجوفاء التي تسوق التخوين وتتهم الآخرين ببيع الوطن الذي بات يتسرب من بين أيدينا … والسودان مسؤولية جميع أبنائه القابضين على ترابه الطاهر والمهاجرين عبر الحدود وعلينا أن نتوحد، فالوطن أغلى من كل تلك الأمنيات الكسيحة والأحلام الخائبة، ولن يغفر لنا التاريخ هذا الهوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى