الزبير نايل يرثي عوض الوراق : الوراق .. طب مقاما
أ . الزبير نايل
في صالة التحرير وأنا حديث عهد بالمكان، كنت أتفرس الوجوه المتحركة لالتقط منها ما كنت أشاهده على الشاشة وانطبع اسمه في ذهني لأتأكد أنني التحقت فعلا بالتلفزيون ..أطل وجه يحمل كل براءة الطفولة ويكسو رأسه شيبٌ وقور ..بترحاب بالغ هزّ يدي وعرفني باسمه ..
أنا عوض وراق محرر الأخبار الدولية ..
تمضي الأيام فإذا بي أمام شخصية استثنائية مزقت رزنامة الزمن داخلها وتعيش بروح فتى الثلاثين …لا يدخل إلا هاشا ولا يسلم إلا باشا .. الدنيا عنده شرفة توفر له إطلالة على عوالم الجمال ليصدح منها بأشعار من الأدب الجاهلي وشعر الحقيبة ومختارات من شعر جون ميلتون ووليام شكسبير، كنت أحار كيف حفظ كل ذلك المزيج وكيف يعمل في مجال الأخبار وهو يلقي الأشعار والحكايات التي تنزع عبوس كل وجه في المكان …
كان الوراق ريحانة صالة التحرير .. ينتابك شعور أنه مايسترو يضبط الأمزجة على نغمة واحدة حتى يأتي عمل الفريق كمعزوفة عذبة للمشاهدين … ينقب في أخبار العالم بنفسه المجبولة على الجمال ويتخير منها ما يُلينُ جفاف بقية الأخبار .. وعندما يبدأ في صياغتها يخرج عن كل القوالب الصحفية ليعيد صياغتها وفق قالبه الأدبي فيأتي الخبر قطعة أدبية محتشدة ببديع الكلام …
ولأن نفسه المرهفة لم تحتمل ضيم الوطن ودموع أهله ولا مشاهد الدمار والخراب .. غادر الوراق دنيانا بعد أن غرس فسائل محبته في ردهات تلفزيون السودان ووزع نبله على قلوب كل الزملاء وحتما فاض بكل ذلك الجمال ليعم معارفه وأحبابه .. اللهم تقبله عندك وأجعل الجنة مستقره ومقامه وإنا لفراقك يا وراق لمحزونون ..