الأخبار

كبار السن والأطفال يعانون في ظل استمرت الاقتتال في السودان

إسراء الشاهر – اندبندنت عربية
لم يتخيل كبار السن في الخرطوم، الذين كانوا يمنون النفس بالعيش ما تبقى من أعمارهم في دعة وسط أحفادهم، أن يأتي يوم يضطرون فيه إلى الفرار وترك منازلهم التي بنوها بشق الأنفس، ويتعرض كثير منهم إلى الموت في رحلة النزوح هرباً من الدمار الذي خلفته الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي.

كثير من كبار السن فقدوا أرواحهم نتيجة لانقطاع الأدوية المنقذة للحياة، وعدم وجود مراكز صحية وتعطل مراكز غسل الكلى في مختلف أنحاء السودان، ما عدا مركزاً واحداً بالعاصمة كان يغطي حاجة 17 مريضاً فقط في اليوم، كذلك يعاني الآلاف انعدام أدوية السكر وضغط الدم مما أدى إلى وفاة عدد كبير منهم.

في هذا الصدد يقول الطبيب محسن صديق إن “السودان يعاني أزمة قديمة متمثلة في عدم توفر الأدوية المنقذة للحياة، وعدم وجود مراكز غسل كلى كافية، مع تدهور القطاع الصحي، ومع الحرب خرجت عشرات المستشفيات من الخدمة مما أدى إلى صعوبة تلبية حاجات المرضى ومعظمهم من كبار السن، مما ضاعف من وفيات هذه الفئة التي صبرت لأكثر من شهر لكن مع استمرار انقطاع الأدوية وتعطل المراكز الصحية والمستشفيات، ومع رحلة النزوح القاسية التي ضاعفت من معاناتهم، لم يتحملوا مشاق السفر مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية ووفاة العشرات منهم”.

ويتابع صديق أن “الوضع الصحي في السودان ليس متهالكاً بل أصبح لا وجود له، بخاصة في العاصمة الخرطوم التي فقدت أكثر من 100 مستشفى، ومع خروج هذا العدد الكبير من المستشفيات في الوقت الذي ما زال فيه ملايين لم ينزحوا من الخرطوم، خرج الآلاف منهم وقرروا النزوح بحثاً عن مناطق توفر لهم العلاج والدواء، وفي هذه الرحلة توفي العشرات أثناء انتظارهم في المعابر المختلفة، حيث وردنا حالات وفيات في بورتسودان وحلفا وعطبرة وشندي وغيرها من الولايات”.

من نجا من هذه الأوضاع القاسية ووصل لبر الأمان في الولايات المختلفة لم يتحمل مشاق الرحلة، إذ توفي عدد كبير من كبار السن داخل المستشفيات، وغالبيتهم من أصحاب الأمراض المزمنة.

وفي هذا السياق يقول صديق إن “المستشفيات في ولايات السودان المختلفة متردية ولم تستحمل الضغط الكبير، إذ استقبلت في الأشهر السابقة أعداداً هائلة من النازحين من ولاية الخرطوم، حتى إنها انهارت تماماً وأصبحت غير قادرة على تلبية حاجة المرضى مما أدى إلى زيادة عدد الوفيات بينهم”.

الحالة النفسية

شكلت الحالة النفسية السيئة سبباً رئيساً في تضاعف الوفيات بين كبار السن، إذ وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مجبرين على الخروج من منازلهم، فتمسك عدد كبير منهم بمنازلهم ورفض النزوح لأماكن آمنة، والبقية نزحوا مجبرين بعد إصرار أبنائهم وأسرهم، وفي هذه الرحلة الشاقة تدنت حالتهم النفسية جراء الترحيل القسري، مما أدى إلى وفاة عديد منهم مع أنهم لا يعانون أي مرض.

المختصة النفسية نسرين محمد قالت إن “الوضع الذي عاش فيه السودانيون منذ أول طلقة رصاص كان صعباً جداً ومن المؤكد أنه ترك في نفوسهم الرعب والخوف والقلق مما أدى إلى تدني حالتهم النفسية، وما زاد الأمر سوءاً هو إجبارهم وخصوصاً كبار السن على مغادرة منازلهم وترك ممتلكاتهم التي قضوا سنوات طويلة من أعمارهم وشبابهم في تكوينها، كل تلك العوامل تصيب الإنسان بألم نفسي تصاحبه نوبات هلع وأمراض نفسية أخرى بعضها يؤدي إلى الموت المفاجئ بسبب التفكير الكثير والحزن”.

وتضيف أنه “بعد الحرب ازداد خطر الموت بالسكتة القلبية والذبحة وحتى الجلطة، وهي كلها تصيب الإنسان لأسباب صحية وأخرى نفسية. أيضاً الخوف من المجهول والدخول في حالة عدم التصديق، كلها أسباب جعلت مئات الأشخاص من كبار السن يموتون فجأة لأسباب تدني حالتهم النفسية”.

وعن كيفية التخفيف من هذا الأمر تقول محمد إن “عدم ترك كبار السن أفكارهم وملء أوقات فراغهم بأنشطة مختلفة تحفز المخ وتجعلهم ينشغلون عن التفكير في ما حدث أثناء رحلة النزوح أو أثناء الحرب، ومقابلة الطبيب النفسي في أسرع وقت ممكن في حال تفاقم الحالة”.

ضياع وتشتت

انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً نداءات يومية للبحث عن كبير في السن خرج ولم يعد، ومعظمهم يعانون مشكلات نفسية وليدة الحرب في السودان، إذ يقول مازن عثمان إن والدهم السبعيني “خرج من منطقة فيصل بالقاهرة وبحثنا عنه ثلاثة أيام حتى وجدناه لدى أسرة سودانية اعتنت به”.

ويضيف “حالة والدي النفسية في تدن مستمر بعد خروجنا من الخرطوم نحو القاهرة، حيث رفض بشدة الخروج من منزلنا بالخرطوم والسفر لكن إصرارنا دفعه إلى الموافقة، وبعد وصولنا أصبح والدي يخرج باستمرار ويقول إنه ذاهب إلى منطقة بحري بالسودان”.

تدخل وزاري

وزارة الصحة السودانية أكدت أن عدد الوفيات تفاقم في الآونة الأخيرة ومعظمهم من كبار السن، ومصدر من الوزارة طلب عدم ذكر اسمه قال إن “الوزارة تحاول السيطرة على الوضع الصحي في السودان بتشغيل المستشفيات على رغم دمارها حتى ولو بصورة جزئية لتلبية حاجة المواطنين، خصوصاً الحالات الخطرة التي لا تتحمل الانتظار بالاستعانة بأطباء متطوعين من جميع أنحاء البلاد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى