لعنة الحرب في السودان …. بابكر عيسى أحمد
بابكر عيسى أحمد
منذ زمن مبكر تساءلت في هذه المساحة بتاريخ 27 ديسمبر 2020 تحت عنوان “هل مازالوا يخططون لتقسيم السودان؟” … وقلت أن القضية ليست وليدة اليوم فمنذ مجيء انقلاب 30 يونيو 1989 الذي قاده الإسلاميون كان هناك مخططاً شيطانياً لتمزيق السودان وبيع وتأجير أراضيه لدول أجنبية، ولم يخفي المتأسلمون أبعاد هذه المؤامرة بل سعوا لتسويقها عبر منابرهم الإعلامية والسياسية وغفلة القوى السياسية إن لم نقل تآمرها في هذا المخطط اللعين.
جاءت ضربة البداية مما أعلنه أحد أبرز قيادات الجماعة الإسلامية وهو عبدالرحيم حمدي الذي كان يشغل منصب وزير المالية في الحكومة الإنقلابية الأولى، حيث كان أول المتحدثين عن ما عرف لاحقاً “بمثلث حمدي” الذي ظهر العام 2005، وحصر السودان في “دنقلا وسنار وكردفان” مستبعداً دارفور والمنطقتين” جنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق وأقصى شمال السودان”.
قلت يومها أن هذا المخطط يعود بناء في الذاكرة إلى المخطط الذي وضعه الماسوني الصهيوني “برنارد لويس” لتفتيت العالمين العربي والإسلامي من باكستان حتى المغرب، وبرنارد لويس المولود في لندن 1916 هو مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة صهيوني الإنتماء أمريكي الجنسية لم يكتفي بالتعبير صراحة عن كراهيته للإسلام والمسلمين بل ألف حول 20 كتابآً عن الشرق الأوسط وأرفق مخططه الإجرامي بصور وخرائط تفصيلية لتقسيم العالمين العربي والإسلامي … من هنا من حقنا أن نتساءل: هل هي صدفة أن تتطابق رؤية برنارد لويس مع رؤية اسلاميو السودان؟
لعنة الحرب في السودان لن تقف عنده حدوده وإنما لها امتدادات إلى محيطها الجغرافي ولعل آخر التطورات وهو “انقلاب النيجر” هو أحد هذه الإفرازات إضافة إلى الوضع الملتهب في كينيا وفي أثيوبيا بين اثنية الأمهرا وحكومة أبي أحمد والتحالفات الهشة القائمة بين الارومو والتيجري، ولن تكون تشاد بعيدة عن هذا الحريق الذي يمكن أن يتمدد إلى ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى وأوغندا عبر جنوب السودان الذي انفصل عن الوطن الأم في العام 2011. وعلى ضوء أحداث السودان المستعرة عثرت عبر الوسائط على مقال خطه الدكتور الدرديري محمد أحمد تحت عنوان “محمد بازوم رئيس النيجر المعزول وعلاقته بالجنجويد” وهي علاقة ملتبسة كما يتحدث عن “عربان الشتات ومشروع إعادة توطينهم في السودان” وقال أنه كان يرى في الإهتمام الكبير من قبل الدولة بقوات الدعم السريع وقيادته منذ أيام البشير ومروراً بالفترة الإنتقالية وميض نار تحت الرماد وكان يخشى أن يكون لها ضرام، مشيراً إلى أنه كان موقناً أن هناك من يقودنا لحرب ضاريه لن تبقي ولن تذر.
واستعرض دكتور الدرديري تاريخ هذه القبائل العربية التي دخلت أفريقيا بحثاً عن المرعى وانتشارها على الخط الفاصل بين الصحراء الكبرى وحزام السافانا ليستقر بها المقام في موريتانيا واستمر هذا التوغل لأربعة قرون ليلقوا عصا التسيار عند حوض بحيرة تشاد وشمالي الكاميرون ونيجيريا، ومنذ العام 1560 للميلاد دخلت هذه القبائل الحزام المطير في دارفور وكردفان فيما انتقل “عربان الشتات” إلى النيجر ومالي وما وراءها.
أول من أهتم بهذه الهجرات الواسعة ودرسوها بالطرق العلمية الحديثة هم اليهود ليقفوا على واقع وخصائص شعوب الشتات العربي ويتبينوا انجع السبل للتعامل معها وكيفية توظيفها لخدمة أغراضهم وأنفقوا في ذلك الملايين، ونتجت عن جهدهم مكتبة تضم المئات من الدراسات التي اتبعت في إعدادها أفضل مناهج علم الأجناس وتقنيات الحمض النووي.
الهدف من هذه المؤامرة هو جعل السودان وطناً بديلاً لهؤلاء العربان بتغيير التركيبة السكانية فيه على نحو يخلخل المجتمع السوداني التقليدي، ومشروع إعادة توطين عربات الشتات جزء من مشروع كبير يهدف لإبدال النخبة السياسية في بلادنا بنخبه علمانية المزاج.