الأعمدة

مع حسين خوجلي خارح الوطن وبعيدا عن سيرة البحر.

اذكر في احدى حلقات الاستاذ حسين خوجلي تلك الطويلة التي ظل زمنا يستفرد خلالها بالمشاهدين عبر قناته التلفزيونية ام درمان.. وكان يومها قد افرد جانبا من زمنه للحديث عن السودانيين في الغربة وكيف انه كلما وطأت قدماه دولة ما.. يجدهم كالبنيان المرصوص حول ضيفهم بغض النظر عن فكره السياسي او جهته في السودان.. وضرب مثلا بعلاقة الصداقة التي تربطه بالشاعر البجاوي اسحق الحلنقي والفنان البديري التاج مكي والشاعر الشايقي تاج السر ابو العائلة وكلهم ابناء خلفاء ختمية كامثلة وغيرهم كثر!
و اشار حسين في سرده ايضا الى مودة قديمة تقربنا هو الشريف اللحوي وانا الحلاوي كابناء جزيرة رغم التباين الفكري وذلك التضاد في مانكتبه في مساجلات الورق و الذي بعبر عما يباعد بين اهل الاسلام السياسي واليسار السوداني.
وقال ان كل هذه التباينات المناطقية والقبلية والاختلافات السياسية تتلاشى حواجزها في ديار الغربة فيحس الضيف القادم الى المقيمين في ذلك المكان او ذاك انه يتامل بعيون وجدانه الوطني لوحة السودان التي يراها من الخارج و يتمناها ان ترتسم بريشة التوافق الداخلي وتتزين بالوان التسامح الوطني وتتأطر في ماهو اكبر من الذات خدمة لما يصب في مصلحة النحن وليس الانا. ومن بعدي الطوفان.
الرجل قال هذه الشهادة وطبعا بنينه التي يسال عنها.. وهو لم يكن وقتها نظيفا عن سجله التاريخي التي شهدت له صحيفته الوان على دوره كشاب وقتها و معروف التوجه السياسي في كسر ظهر ديمقراطية ما بعد الإنتفاضة وقد مهد بقلمه الطاعن لانقلاب الانقاذ التي كان فيما بعد وعلى مختلف مراحلها يتعامل معها حسين بوجهين احيانا و بما يشبه دور الفنان دريد لحام مع نظام حافظ الاسد في مسرحياته الناقدة تلميحا..إذ ان حسين هو الٱخر ظل دبوسا لتنفيس بالون اخفاقات الانقاذ الملي بالهواء الفاسد كقرصة ناعمة في الاذن ليقال انها توفر الحريات لمن يتقصد فشلها وان كان هو جزءا منه.. ومن ثم ينفخ في فمها بقبلة الحياة حينما تتصاعد انفاسها للخروج مع روحها كلما ضاق صدرها بغبار الشارع الناقم!
وطبعا كلنا بشر خطاؤون وخير الخطائين التوابون.
والله اعلم بما في النفوس وحتى الكبائر في الغفران كاللمم.
اقول هذا الكلام كمثال فقط لما يمكن ان يحدث من تغيير في شخصية السوداني حينما يبتعد عن ترابه.. فتجده متماسكا في دور تجمعاته مخلصا في عمله داعما لاسرته و ملتزما بما له وعليه تجاه وطنه.
وهي روح لو اننا جعلنا ذلك المثل الذي ضربه حسين ولعله
الٱن يعيش غريبا مريضا كحال هذا الوطن ولم نطبق في صيانته ذلك النهج الذي كان يجمعنا ونحن خارجه.
ولا ادري ما سبب توقف الرجل عن الكتابة في هذا الظرف الدقيق وهي حرفته التي يملك ناصية حرفها وقد يكتب ما لايعجبنا سياسيا ولكن لاباس من تفهمه ولو من قبيل تنويرنا بوجهة نظر اخرى قد نحترمها وان كنا نتحفظ حيالها.!
او يكتب ما يبهرنا حينما يبتعد بقلمه عن سيرة البحر متجها الى لغة الادب والتغني بولعه الفني وحتى شطحات سيناريوهاته المختلقة بطرائف يرمي في وسطها باسقاطات بطولية و التدليل على حكمته بنفسه.. وغالبا ما يكون كل شهودها اما رحلوا او لم يسمهم اصلا بذكائه الثعلبي.
فهل كسرت نفس الرجل غربة الحرب واحدثت صدمة في قريحة قلمه وكانت سببا في غياب صوته؟
ام ان فقدان البصر قد توغل الى سد نفس البصيرة التي كانت تتحدى عنده الى عهد ما قبل الحرب عجز ضياء العيون.. عافاه الله.
فنحن اهل السودان كشعب طيب رغم تباين اعراقه وتباعد جهاته و اختلاف لغاته وعاداته ولو بصورة نسبية ولكن فينا وعندنا خير افسدته وامحقته السياسة بخطل مدنييها وتسلط عسكريبها وسلبية مثقفيها وانتهازية مفكريها.!
و لكن تظل نفوسنا تفيض حبا لوطننا وان كنا لا نملك لغة التعبير عنه حتى بين الاباء و ابنائهم .
ونتمنى ان نتعلم من دروس هذه الحرب اللعينة التي شتتنا و ان نعود اكثر وعيا بمسئؤليتنا مثلما كنا نخلص للغير في لهثنا نحو لقمة العيش الكريمة.
فما ذكرناه عن الاخ حسين وهو غائب الٱن…. كان فقط مثالا ولو كان كلامه من قبيل مجاملة الضيف للمضيف ..ولكننا
نريد ان تحتذيه بجدية و صدق الممارسة لا بسرد الذكريات فقط !
فان نحن قدر لنا ان نشهد غرسه في حقل اليوم وذهبنا فعلى الاقل لنترك حصاد ثماره في بيدر الغد للاجيال اللاحقة.. التي يختلف فيها حسين اسلامي المستقبل القادم بحسه الوطني لا بتزمته الفكري مع برقاوي اليساري التوجه بسودانيته في مقبل العقود ولكن دون ان يفسد خلاف السياسة و المكان و اللون والقبيلة وحدة هويتهما المشتركة داخل الوطن الواحد مثلما هم خارج حدوده.
والله من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى